بقلم دكتور محمد قدري علي عبد الله
متابعة علاء ثابت مسلم
الموناليزا – زهرة السوسن – زهرة الخشخاش ( رحمها الله ) – قبعة نابليون – سيف محمد على باشا , كم تدفع ثمنا لإقتناء من هذه أى
أو شبيهاتها ؟ طبعا الكثير والكثير. حسنا أى منطق فى هذا ؟ بكلمة واحدة إنه سلطان الماضى على الحاضر
وليت هذا السلطان توقف عند هذا الحد وإنما امتد تأثيره لحياتنا العقلية فنجد بيننا فريقا لا يستهان به قد وقف جامدا عند الماضى يخشى
ان يتجاوزه بدعوى الحفاظ على الهوية .إن العقل الإنسانى السوي لا يستطيع أن ينفصم عن بيئته فليس له أن يحيا فى عصر تجاوزه الزمن
ولعل فى هذا تفسيرا لموت أهل الكهف فور اكتشافهم أنهم قد لبثوا فى كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا
إنه لمن البديهى أن ثقافة الأمة أى أمه إن هى إلا محصلة لعنصرين أساسيين التراكم والتلاقح . تراكم ثقافات ماضى الأمة ثم تلاقح هذه الثقافات منفردة ومجتمعة مع الثقافات الأخرى
وفى نظرة متفحصة لمسار العقل العربى نجد انه قد بلغ أوج ازدهاره فى الفترة التى أعقبت حركة الترجمة الهائلة التى رعاهاالخليفة العباسى
المأمون بن هارون الرشيد إذ بفضلها اطلع العرب على الفلسفة اليونانية وتناولوها بالنقد والتمحيص ما أسفر عن ظهور فلسفة خاصة بهم
ولما كانت العقيدة الإسلامية هى المحور الذى يدور حوله العقل العربى فقد انطلق فريق من المثقفين العرب بهرتهم فلسفة اليونان وثقافتهم
انطلقوا من قواعدهم الإسلامية فى محاولة منهم لأسلمة الفلسفة ,وعكف آخرون على القرآن الكريم يفسرونه , وساح آخرون فى الأمصار
يجمعون الحديث النبوى ويدققونه . كما ظهرت المدارس الفقهية المختلفة . وبهذا عاش العقل العربى ثورة ثقافية غير مسبوقة أسفرت عن ميلاد
علوم جديدة كالتفسير والحديث والفقه وقوانين المعاملات . إلى أن صاح نذيرهم أن ترك الحبل على الغارب للعقل المسلم لن يسفر إلا عن
مساس بثوابت العقيدة وجلب غيامات من الشك تلقى بظلالها على الإيمان الفطرى الذى عاش قرنين من الزمان نقيا صافيا
منذ ذلك الحين سيطر على العقل العربى هاجس الصدام بين الشريعة والحكمة متناسين أن الشريعة إنما تستمد قوتها من تناغمها مع العقل
السوى وما ينتج عنه من رؤى . عند ذلك رأينا من هرب إلى الماضى مؤثرا السكينة والدعة مع الإيمان على مسايرة العقل الذى قد يفتح عليه
أبواب الشك.وآخرون ارتموا فى أحضان العقل جاعلين منه السيد الأوحد ناسين أنه هو الآخر محدود الإمكانيات. بلغ هذا الصدام أوجه حين
تعرض العديد من المفكرين للتعذيب والسجن وأحرقت كتبهم . وإذا جاز لنا أن نقول أن العصر العباسى شهد ازدهار العقل العربى فلا ينبغى أن نغفل الكيفية التى استولى بها العباسيون على السلطة ما أدى لظهور الأفكارالشعوبية بأنيابها التى مزقت جسد الأمة وانعكس هذا سلبا على المبدع العربى الذى ووجه بخليط غير متجانس من الأفكار دست على ثقافته بحسن نية أحيانا وبسوء النية غالبا هذا بالإضافة إلى الضعف الذى اعتور الدولة العباسية فى عصرها الثانى
ما أسهم فى ترجيح كفة الأفكار الإنغلاقية وزاد من تشددها
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل استعرت حرب شعواء شنها دعاة الإنغلاق على كل من حاول أن يخرج عن الإطار
الذى فرضوه على أنفسهم وعاشوا فيه وله
وهكذا كبا العقل العربى كبوة مازال يعانى آثارها إلى يومنا هذا وفى ظل هذه الكبوه اقتصر الإبداع العربى على
تمحيص كتب الأولين وتناولها بالشرح والتحليل ووضع الفهارس لها بل واستظهارها وأصبحت القيمة الحقيقية للعالم تقاس بمدى استيعابه لكتب الأولين لا يبزه فى مكانته تلك إلا من أضاف شرحا للحواشى أو تعليقا على ما ورد فى المقدمة أو الهوامش.
وهكذا دخل العقل العربى فى غيبوبة طويلة أخرجته من ميدان الحضارة وثقافاتها. حدث هذا فى الوقت الذى بدأت فيه أوربا تكسر أغلال الكنيسة وتنفض عن كاهلها أثقال الباباوات وتحرر العقل من خرافات القديسين.
ولأن التاريخ لا ينفك عن طبيعته التي تأبى على القوى إلا أن يتمدد خارج حدوده فما كان على الأوربيين إلا أن بعبروا البحر المتوسط قادمين إلينا غزاة محتلين. وبهذا دخل الشرق فى ظلمات بعضها فوق بعض.
استمرت الحقبة الإستعمارية قرابة قرنين من الزمان لتنقشع الغمه تاركة العقل العربى وقد فقد بوصلته لا يدرى أين يتجه كل علومه بقية من تراث أشبه بورق أهل الكهف لا يبتاع أزكى طعاما ولا حتى أردؤه.
بالرغم من كل هذه المعوقات فإن الساحة العربية لم تخل يوما من محاولة لإيقاظ العقل ولكنها كانت غالبا ماتواجه بالفكر الرجعى بالإضافه إلى أنها كانت تفتقر إلى منهجية التفكير وغياب نظام مؤسسى يعمل على جمعها بدلا من أن تستهلك فى معارك بينية أضعفت من تأثيرها.
ولمعرفة مسار العقل العربى ومحاولاته للترجل بعد كبوته نحن وإياكم على موعد مع
* * * * العقل العربى بين الشرق والغرب * *
دكتور محمد قدري علي عبد الله