أن الأسباب الجذرية للإرهاب تتمثل في تدهور الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، وكذلك السياسية، كحرية التعبير عن الرأي ا أساس لإستراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب، حيث أبرزا أن عدم الرضا السياسي والاقتصادي نتيجة للسياسات القمعية التي تتبعها حكومات دول المنطقة تعد السبب الرئيسي لانتشار التطرف وتجنيد الإرهابيين، وهو المفهوم الذي ثبت عدم صحته في ضوء التطورات التي يشهدها العالم، وفي مقدمتها اتساع النطاق الاجتماعي والاقتصادي الاجتماعي والجغرافي للتطرف، فضلا عن تنامي ظاهرة المقاتلين الأجانب.
حيث لم يتسع نطاق المجندين المحتملين والمتعاطفين مع المنظمات الإرهابية ويتضاعف من حيث العدد فحسب، وإنما من حيث التنوع أيضا؛ فقد أصبح الإرهابي الآن قادرا على اختراق عدد لا يحصى من المجتمعات في مختلف دول العالم – بما في ذلك الغربية – وتلقين الأشخاص من مختلف الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية، حيث أثبت العديد من هؤلاء المجندين – ومنهم من عاشوا حياتهم بالكامل في الغرب ولم تطأ أقدامهم في الشرق الأوسط أو يعانوا من سياساتها “القمعية” (علي حد قولهم) – استعدادهم لحمل السلاح والتضحية بأرواحهم من أجل الإرهاب والتطرف. وهذا الواقع هو الذي يكّذب النظرية القائلة بأن السياسات الحكومية في الشرق الأوسط هي التي تؤدى إلى تفاقم التطرف وتنامي التهديدات الإرهابية ومن ثم تصديرها للغرب.
فإذا كانت الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة في الشرق الأوسط هي التي هيأت أرضا خصبة للتطرف وفقا لمزاعم أنصار هذه النظرية، فإننا لم نكن لنشهد طوفان المقاتلين الأجانب القادمين من الخارج – بما في ذلك من الدول الغربية – إلى منطقة الشرق الأوسط، أو شبكات تجنيد الإرهابيين التي تعمل وتنمو بشكل مستقل في الغرب – حيث تغيب مثل هذه السياسات والظروف السلبية . فالمجتمع الذي تطغى عليه قيم التسامح والرخاء وحكم القانون سينتج بالتأكيد أفرادا أقل عرضة للتطرف والتجنيد، إلا أنه وكما لا يوجد كائن حي محصن بشكل كامل من المرض، فإنه لا يوجد مجتمع يمكن حمايته تماما من التطرف إذا لم يتم معالجة أصل المرض في حد ذاته.
فالضعف أمام التطرف يمكن إحالته إلى العوامل الاجتماعية والاقتصادية، ولكن التطرف في حد ذاته هو فكرة وعقيدة يجب مواجهتها على كافة الأصعدة، وهو الأمر الذي يفسر تبني استراتيجية مصر لمكافحة الإرهاب لنهج أكثر شمولا من خلال التركيز بشكل متساو على كافة أشكال وصور التهديد، بما فيها الإيديولوجية التي تعد صميم الظاهرة ,نهج مصر الشامل في مكافحة الإرهاب، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية الاستجابة العسكرية القوية، وتهيئة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى الازدهار، ولكن ربما يكون الأهم من ذلك هو التعامل مع جوهر القضية وليس فقط تداعياتها: الفكر المتطرف والتفسير المنحرف للدين الذي يستهدف الشباب الأكثر ضعفا، حتي يصبحون هم سلاح الإرهاب. إن الإرهاب يمثل تهديدا وجوديا للحضارة الحديثة، حيث يعارض المتطرفون الأسس التي تقوم عليها هذه الحضارة، وهذا هو حجر الزاوية في عقيدتهم، ولا يتغير حسب الاعتبارات السياسية. وبالتالي يجب على المجتمع الدولي وأعضاءه عدم السماح للاعتبارات السياسية الخاصة بهم بالتأثير على تعاملهم مع هذا التهديد. في بعض المراحل التاريخية
شاهدنا دولا وحكومات تحاول استغلال المتطرفين والجماعات الإرهابية لتحقيق مكاسب في إطار صراعات أكبر، مما أدي إلى عواقب وخيمة على المدى الطويل، حيث أن هذه الجماعات خرجت تماما عن نطاق التحكم والسيطرة لتزرع الفوضى. جوهرها، حتى إذا ما انخرطت هذه المجموعات في درجات مختلفة من العنف والتشدد. أولئك الذين يعتنقون هذه الرؤية للعالم، يروجون علنا للعنف والصراع والإرهاب، سواء كانوا يرفعون السلاح علنا أم لا.
إن نهج مصر في مكافحة الإرهاب يتجاوز الانقسام الزائف بيت التطرف القائم علي العنف مقابل اللا عنف، علما بأن التطرف بطبيعته هو نقطة انطلاق نحو العنف، وبالتالي ترفض مصر السماح للمتطرفين بالعمل تحت أي ستار لخدمة نفس الأهداف. إن مصدر دوافع وتصرفات الجماعات الإرهابية هو الفكر المتطرف، وعلى الرغم من أن هذا المصدر قد أنتج العديد من الصور، فإنه سوف يتم إنتاج المزيد ما لم يتم التصدي لهذا المفهوم ذاته، والعمل علي كسر مصداقيته، وهزيمته. إن النهج المصري يعتمد على نحو شامل وقاطع علي دحض ومواجهة كل أشكال التطرف والراديكالية، بدلا من التمييز والتصنيف الذي قد يؤدي إلى قبول والتساهل مع المتطرفين والمتشددين الذين لا تجتذب تصرفاتهم عناوين الصحف كالآخرين، إلا أنهم لا يقلون عنهم خطورة. وخلافا للعديد من الادعاءات، فإن مصر لا تضع المتطرفين والمعتدلين في حزمة واحدة ليتم استعدائهم، ولكن مصر تعرّف المعتدلين بأنهم أولئك الذين يعتنقون مبادئ قبول التنوع والامتناع عن العنف
فإن نهج مصر يعتمد على الرفض القاطع لكل الجماعات المتطرفة وأفكارها، ومحاربة جهودهم عن طريق نشر وتعميم الأفكار المعتدلة للإسلام الحقيقي. إن جهود مصر في هذا الصدد تعتمد على المؤسسات الدينية الموقرة مثل الأزهر ودار الإفتاء، الذين يعملون في شراكة مع المجتمعات والأصوات المعتدلة في جميع أنحاء العالم للتشكيك في الأساس المنطقي والديني للفكر المتطرف، وتعزيز قيم التسامح والسلام. إن مصر تعطي الأولوية للتعاون مع الشركاء الدوليين في هذا السياق، والعمل بشكل جماعي لخلق خطاب مقابل يتميز بالقوة والقابلية للحياة