تحدث الاستاذ الدكتور حسن مغازى ، أستاذ النحو والصرف والعروض بكلية الاداب وعضو مجمع اللغة العربية فى مكة المكرمة خلال كلمته التى ألقاها بملتقى السرد العربى
حيث دافع بشدة عن ميزة عدها البعض عيبا ألا وهى : أن البيت هو وحدة القصيدة العربية مشيرا بأصابع الاتهام للبعض فقال :
إن الناقد الفاشل هو الذى يستورد ماليس من بيئتنا فيطبقه على بيئاتنا
وأرف متسائلا :
كيف يعين الأول على دفعته دون أن نسأله عن أى الأقسام يحب أن يلتحق بها ونتيجه لهذا يعين من لا يجيد النحو بأقسام النحو ومن لا يجيد النقد بأقسام النقد فتكون الطامة الكبرى حيث ينقل إلينا مصائب الآداب الآخرى
ولهذا أؤكد على ان أقسام اللغة العربية تمتلىء بأقسام فاسدة فى أهلها لانهم يستطيعون أن يوجهوا طاقات ويتركوا طاقات أخرى
وحول رأيه فى أن
)البيت)هو وحدة(القصيدة)العربية، قال :
نعم البيت وحده القصيدة بل هو أكبر مكوناتها، وهو(أعز)ما نتفاخر به على(الآداب العالمية)، وهو(خصيصتها)التى تعد موضع(التكريم)فى القصيدة؛ وهو إحدى علامات(متانة التكوين)، لا تنهدم القصيدة مهما غيرت فى موضع أى من أبياتها تقديما أوتأخيرا؛ فنحن أمام(قصيدة)، لا أمام(رواية)،
نعم فى شعر(غير العرب)تفتقد ذلك؛ لأن شعرهم أحد صنفين من ثلاثة الأصناف العالمية فى الشعر؛
شعرهم(ملحمى)، أو(قصصى)، فى كل منهما طبعا لا يصح على الإطلاق كون(البيت وحدة القصيدة)؛ لأنك أمام(تسلسل أحداث(
لكن(ديوان العرب) ليس أيا من هذين الصنفين، إنما هو صنف ثالث،
اسمه(الشعر الغنائى)، ليس القصد طبعا(القصائد المغناة)،
إنما القصد أنه(شعر ذاتى)، يغنى فيه(الشاعر)إحساسه الذاتى ماثلا فى شخصه، أو قبيلته، أو مجتمعه كله، على(أنغام الشعر العربى)، وتتناسب(طرديا)درجة جودته مع درجة(الفهم الموضوعى)لما يقوله؛ بحيث يحس كل متلق كأن(الشاعر)يتحدث عنه، لا عن نفسه.
فى هذا الصنف؛ (الشعر الغنائى)لا نحتاج على الإطلاق إلى(سرد أحداث)، بعضها مترتب على بعض، لذلك جاءت أبيات الشاعر العربى فى قصيدته على ذلك الشكل الذى يمكنك فيه تبديل موضع كل بيت تقديما أو تأخيرا من دون أدنى مساس بتكوين القصيدة،
بيت فى رمش الحبيبة، وبيت فى شعرها، وبيت فى ساقها، تقدم أنت كل عضو حسب مزاجك النفسى، أو تؤخره، ولا تنهدم القصيدة؛ تلك علامة قوة فى بنائها، علامة تميز.
على هذا فإن أكبر(خدعة)تعرض لها(الشعر العربى)فى القرن الأخير، واعتمد على ترويجها بخبث شديد(بتوع الشحر العر)هى ذمهم القصيدة العربية بأن
(وحدة البيت) فيها واضحة للعيان، ذلك ادعاء باطل، باطل، باطل،
ترويجه ضد قصيدتنا ناشئ عن أحد طريقين:
أولهما الجهل بثلاثة الأصناف فى الشعر العالمى والفروق بين كل صنف وشقيقيه، والآخر الخبث الشديد فى التجهيل بتلك الفروق رغم العلم بها.
أكبر(ميزات الشعر الغنائى)، وأعز(ميزات القصيدة العربية)أنها تنهض على كون البيت هو وحدة القصيدة، وأنك تستطيع تقديم أى بيت منها، أو تأخيره من دون هدم البناء الشعرى.
ذلك التقديم، وذلك التأخير يحدث إما رغما عنا تحت ضغوط(رواة الشعر)قديما، وإما برغبتنا نحن؛ بحيث تضع نفسك فى موضع الشاعر حسب تجربتك الذاتية؛ فتقدم البيت العشرين قبل البيت العاشر؛ لأنه يعبر عن تجربتك الذاتية، وبقاء القصيدة رغم تغيير الرتبة علامة جودة كبرى، لا نظير لها فى الآداب العالمية، ثم يضربون شعرنا العربى من حيث ينبغى تكريمه، إما جهلا، وذلك أحسن الطريقين، وإما الطريق الآخر، وهو أسوأهما، وهو أن(بتوع الشحر العر)؛ (أقصد الرؤوس طبعا دوما فى كلامى، ولا علاقة على الإطلاق مع من بعدهم)يعلمون، ويتخابثون بضرب القصيدة العربية من حيث ينبغى التكريم.
لعله من الأدلة العلمية المادية على ذلك أن علماء(القافية)عدوا(التضمين)عيبا كبيرا من(عيوب القافية)فى القصيدة العربية، وهو ـ لمن لا يعرف ـ أن ينتهى البيت، وتظل تركيبيا، ودلاليا تحتاج إلى البيت الذى يليه، وبحيث لا يمكنك تقديم اللاحق قبل السابق؛ تلك(العلاقة العضوية)بين أبيات القصيدة معدودة من(عيوب القصيدة)لدى علماء القافية؛ حيث ينبغى فى شعرنا انتهاء(المعنى)بانتهاء(نغم البيت)، وهكذا فى كل بيت؛ بحيث يتسنى لكل متلق أن يقدم أى بيت، أو يؤخره، من دون انهدام القصيدة، تلك ميزة القصيدة العربية،