تحقيق محمد جمال عبد القادر
مع اقتراب بدء العام الدراسي أعلنت الأسر بمدينة راس غارب حالة الطوارئ استعداداً لعام دراسي جديد، سواء كان ذلك على المستوى النفسي أو على المستوى المادي لتزداد أعباء الأسرة فوق ما تحتمله من أعباء.
وتأتي الدروس الخصوصية على رأس قائمة الأولويات التي تسعى الأسر بالمدينة إلى تسديد فاتورتها، إذ أصبحت أمراً حتمياً لا يمكن للطالب أن يستغني عنه خلال العملية التعليمية.
لماذا الدروس الخصوصية؟
ظاهرة الدروس الخصوصية ليست ظاهرة ترفيهية أو أنها جاءت من غير دوافع حقيقية لتفشيها؛ بل إنها كغيرها من الظواهر الاجتماعية الناشئة في ظل ظروف وأوضاع جديدة تنتاب المنطقة بأكملها.
إن ظاهرة الدروس الخصوصية هي مسؤولية ثلاثة عناصر: الأول؛ هو المدرس الذي لم يستطع توصيل المعلومة بصورة واضحة وسهلة للتلاميذ، والثاني؛ هو التلميذ الذي لم يفهم جيداً ويطالب ولي أمره بمساعدته بدرس خصوصي، أما العنصر الثالث؛ فهو ولي الأمر الذي يستجيب لرغبة الابن أو الابنة ويتحمل نفقات الدروس الخصوصية.
وعلى ذلك؛ فإن تفشي تلك الظاهرة يرجع إلى تقصير المدرس فضلاً عن أن الكتاب المدرسي ذاته بحاجة إلى ثورة شاملة من حيث التقسيم، والتفسير والفهرسة، وشرح المصطلحات الصعبة، ولابد أن تصاحب المادة رسوم توضيحية وبيانات وصور وخرائط وإخراج جيد كي تخلق حالة من الارتباط بين الطالب والكتاب المدرسي، فلا يلجأ إلى الكتب المساعدة التي يقبل عليها الطلاب بمجرد بدء العام الدراسي، إلى جانب ذلك نحن بحاجة إلى إعادة النظر في نظام الأسئلة.
إن الدروس الخصوصية أصبحت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة روتينية، فقد صار من الطبيعي أن يحصل الطالب على درس خصوصي دون رؤية المعلم أو طريقة أدائه، وأصبح المفهوم السائد أن الطريق للمجموع هو الدرس الخصوصي.
وأن من بين العوامل التي ساهمت في خلق جيل الدروس الخصوصية هو نمطية الامتحان، وقدرة محترفي الدروس الخصوصية من المعلمين على توقع وتخمين أسئلة الامتحان، وبالتالي يلجأ الطالب إلى ذلك للحصول على درجات مرتفعة، لكن المشكلة الأكثر خطورة أن الدرس الخاص يخلق من الطالب شخصاً اتكالياً لا يهتم بما يدور داخل الفصل المدرسي، وليس مهتماً بما يشرحه المعلم؛ لأن لديه بديلاً آخر خارج المدرسة.
خمسة مليارات تلتهمها الدروس المصرية
وتشير الكثير من الاحصائيات إلى أن الدروس الخصوصية تكلف كاهل الأسر مليارات الجنيهات، حيث تتكلف مصر وحدها ما بين 3 إلى 5 مليار جنيه سنوياً، حتى إن وزارة المالية المصرية وضعت خطة لمواجهة المدرسين المتهربين من سداد مستحقات الدولة عن الدروس الخصوصية قبل بداية ‘العام الدراسي’.
فيما أشارت مصلحة الضرائب في مصر أن المصلحة تفتح سنوياً ألف ملف جديد للمدرسين، وقد بلغت الملفات حتى الآن 300 ألف ملف.
وأكدت مصلحة الضرائب أن متوسط دخل المدرس عن الدروس الخصوصية يصل من 10 آلاف جنيه إلى 60 ألف جنيه شهرياً.
وهو ما يشير بوضوح إلى مدى خطورة الظاهرة فضلاً عما تكشف عنه من تداعيات اجتماعية سيكون لها أكبر الأثر السلبي في المستقبل القريب.
الطلاب وأولياء الأمور
الطالب عبد الله حسن – ثانوية عامة -: ٱنا مضطر للجوء إلى الدروس الخصوصية؛ فالأساتذة لا يشرحون داخل الفصل بما يمكنني من فهم واستيعاب المنهج، غير أنهم لا يتطرقون إلى الكثير من الجزئيات في المادة التي لا يمكنني فهمها بمفردي، لذلك فأنا حريص على الدروس الخصوصية، لأنه أصبح مطلوباً منا أن نحصل على درجات مرتفعة في كل المواد، وهناك بعض المواد التي تتصف بصعوبتها؛ فأنا ألجأ للدروس الخصوصية.
بينما يقول الطالب أحمد جمال : أنا لا ألجأ للدروس الخصوصية إلا في نهاية العام أو الفصل الدراسي، وقبل الامتحانات؛ ففي أسابيع قليلة يمكنني الإلمام بمنهج أي مادة والاستعداد لدخول الاختبار الخاص بها بدلاً من أن أعطي اهتماماً أكثر من اللازم منذ بدء الدراسة.
لكن كان رأى طالب رفض ذكر اسمة: إنه لا يتقبل مدرس اللغة الإنجليزية ويشعر بالضيق الشديد كلما دخل الفصل، مما يؤدي في النهاية إلى عدم فهمه لما يقوله المدرس، لذلك فهو في حاجة إلى من يشرح له منهج اللغة الإنجليزية.
يقول زكريا جورج – أب لطالبين أحدهما بالمرحلة الإعدادية والثاني بالمرحلة الثانوية-: ” إنني أصبحت أكره موسم الدراسة بشكل كبير، وكأنني أنا الطالب ذلك لما يحدث من انقلاب داخل المنزل، وحالة الطوارئ الدائمة، وأبنائي اللذين لا أراهم إلا قليلاً على مدار اليوم لارتباطهم بمواعيد الدروس الخصوصية عقب انتهاء اليوم الدراسي، بالإضافة للأعباء المادية الكبيرة التي أتحملها نتيجة الدروس الخصوصية.
و يؤكدابو طارق – ولي أمر-: ” إنني أصبحت لا أنشغل مع بدء العام الدراسي إلا بالتفكير في كيفية توفير تكاليف الدروس الخصوصية التي لا بد أن يحصل عليها أبنائي في ظل التردي الواضح في العملية التعليمية داخل المدارس؛ وإن لم أفعل ذلك فكيف ينجح أولادي؟ وهو ما يجعلني متوتراً طوال الوقت، فضلاً عن سوء العلاقة بيني وبين أولادي الذين أطالبهم دائما بعدم تضييع الوقت بعيداً عن المذاكرة؛ لأنني أتعب كثيراً لتوفير المال اللازم لدروسهم خشية الرسوب أو النجاح بمجموع قليل.
المدرسون يدافعون عن أنفسهم دون ذكر أسمائهم
يقول مدرس رياضيات- بالطبع ما يدفعني إلى إعطاء دروس خصوصية هو المادة، فأنا شاب وأرغب في الزواج ولو أنني اعتمدت على راتبي الضئيل؛ فلن أتمكن من الزواج أو حتى أن أحيا حياة هنيئة، فالدروس هي الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق وتحقيق الحياة الكريمة، وإلا فكيف لي أن أفكر في تكوين أسرة والعيش كبقية خلق الله؟!.
ويقول مدرس بالمرحلة الإعدادية-: إن الرواتب لا تكفي ولا تفي بمتطلباتنا الأسرية؛ فأنا أب وأبنائي في مراحل التعليم المختلفة، ناهيك عن نفقات المأكل والمشرب ورسوم المدارس وغيرها، وهو أمر لا يقدر عليه أي مدرس إلا إذا اضطر إلى الدرس الخصوصي، ومهما تكن مكافأة الامتحانات؛ فلن تكون الأوضاع المادية للمدرس قادرة على مواجهة متطلبات المعيشة.