هناك خمرٌ يُذهب العقل
وأخر هو عين العقل
الخمر حرام …..وهناك خمر حلال
السَّكَرُ : كلّ ما يُسكِرُ من خمر وشراب
ولكن هناك خمر أخر لا يسكر ولا يذهب العقل
قال الله تعالى : (( مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ ))
سورة محمد الأية 15.
هذا بالطبع في الجنة رزقنا الله وإياكم إياها إن شاء الله .
ولكن هناك سؤال يبرز لنا في الخفاء على حياء
هل هناك خمر مباح في الدنيا …؟
وأين نجده ؟
سؤال عاصف للذهن ولكنه لايُذهب العقل ….!!
هيا نقف على ضفاف نهر الخمر
ولكن لابد من الإستئذان من أصحاب المكان في كل زمان
نحن نقف على ضفاف نهر الحب عند الصوفية
للتصوف أسرار , وجزر في بحار , وأعماق وأشواق , ومعاجم ومغانم , ولغات ولهجات , وعلامات وإشارات , وكلمات وشطحات , وبصر ونظر, وجد وحذر .
التصوف مجرات في كف الملكوت, لايدور في فلكها إلا من نال الإذن …!
نحاول السياحة في مجرات التصوف , والسباحة بين شاطئ الحقيقة وجزر الألغاز .
نحاول أن نقف على الأرض قبل الطيران في السماء
هل أنتم مستعدون للإقلاع معنا في تلك الرحلة الروحانية ؟
حسناً بإذن الله نحلق في دنيا الحب مع المحب
لنطرح السؤال بمقتضى الحال
حال المحب لصاحب الحب
ماذا قالوا عن التصوف ؟
قَوْلُهُمْ فى الصُّوفِيَّةِ، ولِمَ سُمِّيَت الصُّوفِيَّةُ صُوفِيَّةً ؟
قالت طائِفَةٌ: “إنَّما سُمَّيَتِ الصُّوفِيَّةُ صُوفِيَّةً لصَفَاءِ أسْرَارِهَا، ونَقَاءِ آثارها”.
وقال بِشْرُ بنُ الحَارِث: “الصُّوفىُّ مَنْ صَفَا قلْبُهُ لله”.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: “الصُّوفىُّ مَنْ صَفَتْ لله مُعامَلَتُهُ، فَصَفَتْ له مِنَ الله عَزَّ وجلَّ كَرَامَتُهُ”.
وقال قَوْمٌ: “إنما سُمُّوا صُوفِيَّةً لأنَّهُمْ فى الصَّفَّ الأوَّلِ بَيْنَ يَدَى الله جَلَّ وَعزَّ
بارْتِفَاعِ هِمَمِهمْ إليه، وإقْبالِهِمْ عَلَيْهِ، ووُقُوفِهِمْ بسَرَائِرِهمْ بَيْنَ يَدَيْهِ”.
وقال قَوْمٌ: “إنما سُمُّوا صُوفِيَّةً لقُرْبِ أوْصَافِهِمْ مِنْ أَوْصَافِ أهْلَ الصُّفَّة، الذين كانوا على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم”.
وقال قَوْمٌ: “إنما سُمُّوا صُوفِيَّةً للِبْسِهِمُ الصُّوفَ”.
وأما من نَسَبَهُمْ إلى الصُّفَّة والصُّوفَ فإنه عبَّر عن ظاهر أحْوالهم، وذلك أنَّهُمْ قَوْمٌ قَدْ تركوا الدنيا، فَخَرَجُوا
عن الأوْطَانِ، وَهَجرُوا الأخْدَانَ، وساحُوا فى البلاد، وأجَاعُوا الأكْبَادَ، وأَعْرَوُا الأجْسَادَ،
لم يَأْخُذُوا من الدنيا إلاَّ ما لا يَجُوزُ تَرْكُهُ، مِنْ سَتْرِ عَوْرَةٍ وسَدِّ جَوْعَة.
فَلِخُرُوجِهِمْ عَنِ الأوْطَانِ سُمُّوا غُرَبَاءَ، ولِكْثَرةِ أسْفَارِهِمْ سُمُّوا سَيَّاحِينَ.
ومِنْ سِيَاحَتِهِمْ فى البَرَارى وإيوائِهِمْ إلى الكُهُوفِ عِنْدَ الضَّرُورَاتِ سَمَّاهُمْ بَعْضُ أهْلِ الدِّيَارِ
“شَكْفَتِيَّة” والشَّكْفَتُ بلُغَتِهِمْ {الفارسية}: الغَارُ والكَهْفُ.
وأهل الشَّام سَمّوهم “جُوعيَّةً” لأنهم إنما يَنَالُونَ مِنَ الطعام قدر ما يُقيمُ الصُّلْبَ للضّرُورَةِ،
كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: “بِحَسْبِ ابنِ آدَمَ أكَلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ”
وقال السَّرىُّ السَّقَطِىُّ وَوَصَفَهُمْ فقال: “أَكْلُهُمْ أَكْلُ المَرْضَى، ونَوْمُهُمْ نَوْمُ الغَرْقَى، وكَلاَمُهُمْ كَلامُ الخَرْقَى”.
ومِنْ تَخَلِّيهم عَنِ الأمْلاَكِ سُمُّوا فُقَرَاءَ.
قِيلَ لبَعْضِهِمْ: من الصُوفىُّ؟ قال:
“الَّذى لا يَمْلِكُ ولا يُمْلَكُ”؛ يَعْنى: لاَ يَسْتَرِقُّهُ الطَّمَعُ.
وقَالَ آخرُ: “هو الّذى لا يَمْلِكُ شيْئًا، وإنْ مَلَكُه بَذَلَهُ”.
ومِنْ لِبْسِهِمْ وزِيِّهِمْ سُمُّوا صُوفِيَّة، لأنَّهُم لم يَلْبِسُوا لحُظُوظِ النّفْسِ ما لاَنَ مَسُّهُ وحَسُنَ
مَنْظَرُهُ، وإنما لَبِسُوا لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، فتَجَزُّوا بالخَشِنِ مِنَ الشَّعَرِ، والغَلِيظ مِنَ الصُّوفِ.
ثم هذه كلُّها أحوالُ أهْلِ الصُّفَّة، الذين كانُوا على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فإنهم كانوا غرباء فقراءَ مُهاجرين، أُخْرجوا من ديارهم وأموالهم.
ووصَفَهم أبو هريرة وفَضَالة بن عُبَيْد فقالا:
“يَخِرُّونَ مِنَ الجُوعِ حَتَّى تَحْسَبَهُمُ الأعْرَابُ مجَانِينَ.
وكانَ لِبَاسُهُمُ الصُّوفَ، حَتَّى إنْ كانَ بَعْضُهُمْ يَعْرَقُ فيه فيُوجَدُ مِنْهُ رَائِحَةُ الضَّأْنِ إذا أصَابَهُ المَطَرُ”.
هذا وَصْفُ بعضهم لهم، حتى قال عُيينة بنُ حِصْنٍ للنبى صلى الله عليه وسلم:
“إنَّه ليُؤذِينى ريحُ هؤلاء أمَا يؤذِيكَ رِيحُهُمْ؟”.
ثم الصوفُ لباسُ الأنبياء، وزِىُّ الأولياء.
وقال أبو موسى الأشْعَرىُّ عن النبى صلى الله عليه وسلم:
“إنه مَرَّ بالصَّخْرَةِ مِنَ الرَّوْحَاءِ سَبْعُونَ نَبِيًّا حُفَاةً عَلَيْهِمُ العَبَاءُ يَؤُمُّونَ البَيْتَ العَتِيقَ”
وقال الحسنُ البصرىّ: “كان عيسى عليه السلام يَلْبَسُ الشّعَرَ، ويَأكُلُ مِنَ الشّجَرَةِ، وَيَبيتُ حيثُ أمْسَى”.
وقال أبو موسى: “كان النبى صلى الله عليه وسلم يَلْبسُ الصُّوفَ، ويَرْكَبُ الحِمَارَ، ويأْتى مَدْعَاةَ الضّعِيف”.
وقال الحسن البصرى: “لقَد أدْرَكْتُ سبعينَ بَدْريًّا ما كان لبَاسُهُمْ إلاّ الصُّوف”.
فلما كانت هذه الطائفةُ بصِفَةِ أهل الصُّفَّة فيما ذكرْنا، ولبسهم وزيّهم زىّ أهلها، سُمُّوا صُفِّيَّةً وصوفية.
ومن نسبهم إلى الصُّفَة والصَّفِّ الأوّل فإنه عَبِّر عن أسرارهم وبواطنهم، وذلك أنَ من ترك الدنيا وزهِدَ فيها وأعْرَض عنها، صَفَّى الله سِرَّهُ، ونوَّر قَلْبَهُ.
قال النبى صلى الله عليه وسلم: “إذا دَخَلَ النُّورُ فى القَلْبِ انْشَرَحَ وانْفَسَحَ”، قيل:
وما علامةُ ذلك يا رسول الله؟ قال:
“التَّجَافى عَنْ دَارِ الغُرُورِ، والإنَابَةُ إلى دَارِ الخُلُودِ، والاسْتِعدَادُ للمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ”
فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن من تجافَى عن الدنيا نَوَّرَ الله قلبه.
وقال حارثة حين سأله النبى صلى الله عليه وسلم: “مَا حَقِيقَةُ إيمانِكَ؟” قال:
عَزَفْتُ بنفسى عن الدنيا، فأظمأْتُ نهارى، وأسْهرتُ ليْلى، وكأنى أنظر إلى عرش ربى بارزًا، وكأنى أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون، وإلى أهل النار يتعادَوْن.
فأخبر أنه لما عَزَفَ عن الدنيا نَوَّرَ الله قلبَهُ، فكان ما غاب عنه بمنزلة ما يشاهده.
وقال النبى صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ أحَبَّ أنْ يَنْظُرَ إلى عَبْدٍ نَوَّرَ الله قَلْبَهُ فَلْيَنْظُرْ إلى حَارِثَةَ”فأخبر أنه منوَّر القلب.
وسُميت هذه الطائفة نُورِيَّة لهذه الأوصاف.
وهذا أيضًا من أوصاف أهل الصُّفَّة، قال الله تعالى:
((فَيه رِجَالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَّهُروا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)) [سورة التوبة، الآية:108].
والتطهّر بالظواهر عن الأنجاس، وبالبواطن عن الأهجاس.
وقال الله تعالى:
((رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ولاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ)) [سورة النور، الآية:37].
ثم لصفاء أسرارهم تَصْدُقُ فراسَتُهُمْ.
قال أبو أُمامة الباهلىُّ رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم:
“اتَّقُوا فَرَاسَةَ المؤْمِن فإنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله”
وقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه:
“أُلْقى فى رُوعى أن ذا بَطْن بنت خارجة”، فكان كما قال.
وقال النبى صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الحَقَّ لَيَنْطُقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ”
وقال أُوَيْس القَرَنى لهرم بن حيان حين سلَّم عليه:
“وعليك السلام يا هَرِمَ ابْنَ حَيَّانَ” ولم يكن رآه قبل ذلك؛ ثم قال له:
“عرَفَ رُوحى رُوحَكَ”.
وقال أبو عبد الله الأنطاكى:
“إذا جالسْتُمْ أَهْلَ الصِّدْقِ فجالِسُوهُمْ بالصِّدْقِ فإنهم جواسيسُ القلوبِ يَدْخُلُونَ فى أسرارِكُمْ ويخرُجُونَ مِنْ هِمَمِكُمْ”.
ثم من كان بهذه الصفة من صفوة سرِّه وطهارة قلبه ونور صدره فهو فى الصف الأول، لأن هذه أوصاف السابقين.
قال النبى صلى الله عليه وسلم: “يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفًا بغَيْرِ حِسَابٍ”
ثم وصفهم وقال: “الَّذِينَ لا يَرْقُونَ ولا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَكْوُونَ ولا يَكْتَوُونَ، وعلى رَبَِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ”
فلصفاء أسرارهم، وشَرْح صدورهم، وضياء قلوبهم:
صَحَّتْ معارفُهم بالله، فلم يرجعوا إلى الأسباب ثقةً بالله عز وجل، وتوكُّلاً عليه، ورِضًا بقضائه.
فقد اجتمعت هذه الأوصافُ كلُّها ومعانى هذه الأسماء كلُّها فى أسامى القوم والقابهم، وصحّت هذه العبارات وقَرُبَتْ هذه المآخذ.
وإن كانت هذه الألفاظ متغايرة فى الظاهر، فإن المعانى متفقة؛ لأنها إن أُخذت من الصفاء والصفوة كانت صَفَوية.
وإن أُضيفت إلى الصَّفّ أو الصُّفَّة كانت صَفِّية أو صُفِّية، ويجوز أن يكون تقديم الواو على الفاء فى لفظ الصوفية
وزيادتها فى لفظ الصَّفية والصُّفية إنما كانت من تَداوُلِ الألسن.
وإن جُعل مأخذه من الصوف، استقام اللفظ، وصحّت العبارة من حيث اللغة.
وجميع المعانى كلها من التخَلِّى عن الدنيا وعُزوف النفس عنها، وترك الأوطان ولزوم الأسفار، ومنع
النفوس حظوظها، وصفاء المعاملات، وصفوة الأسرار، وانشراح الصدور، وصفة السُّبَّاق.
وقال بندار بن الحسين:
“الصُّوفىّ من اخْتَارَهُ الحقُّ لنَفْسِهِ فَصَافَاهُ، وعَنْ نَفْسِه بَرَّّأهُ، ولم يُرِدْهُ إلى تَعَمُّلٍ وتَكَلُّفٍ بدَعْوَى.
وصُوفىّ على زِنَةِ عُوفىّ، أى عَافاهُ الله فعُوفى؛ وكُوفىّ، أى كَافَاهُ الله فكُوفىَ؛ وجُوزى، أى جازاه الله،
ففِعْلُ الله بِهِ ظاهِرٌ فى اسْمِهِ والله المتفَرِّدُ به”…….
وبعد ….. سؤال عام ,ماذا تقلون في التصوف……؟
دكتور محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العربالخمرُ المباح …..!!
هناك خمرٌ يُذهب العقل
وأخر هو عين العقل
الخمر حرام …..وهناك خمر حلال
السَّكَرُ : كلّ ما يُسكِرُ من خمر وشراب
ولكن هناك خمر أخر لا يسكر ولا يذهب العقل
قال الله تعالى : (( مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ ))
سورة محمد الأية 15.
هذا بالطبع في الجنة رزقنا الله وإياكم إياها إن شاء الله .
ولكن هناك سؤال يبرز لنا في الخفاء على حياء
هل هناك خمر مباح في الدنيا …؟
وأين نجده ؟
سؤال عاصف للذهن ولكنه لايُذهب العقل ….!!
هيا نقف على ضفاف نهر الخمر
ولكن لابد من الإستئذان من أصحاب المكان في كل زمان
نحن نقف على ضفاف نهر الحب عند الصوفية
للتصوف أسرار , وجزر في بحار , وأعماق وأشواق , ومعاجم ومغانم , ولغات ولهجات , وعلامات وإشارات , وكلمات وشطحات , وبصر ونظر, وجد وحذر .
التصوف مجرات في كف الملكوت, لايدور في فلكها إلا من نال الإذن …!
نحاول السياحة في مجرات التصوف , والسباحة بين شاطئ الحقيقة وجزر الألغاز .
نحاول أن نقف على الأرض قبل الطيران في السماء
هل أنتم مستعدون للإقلاع معنا في تلك الرحلة الروحانية ؟
حسناً بإذن الله نحلق في دنيا الحب مع المحب
لنطرح السؤال بمقتضى الحال
حال المحب لصاحب الحب
ماذا قالوا عن التصوف ؟
قَوْلُهُمْ فى الصُّوفِيَّةِ، ولِمَ سُمِّيَت الصُّوفِيَّةُ صُوفِيَّةً ؟
قالت طائِفَةٌ: “إنَّما سُمَّيَتِ الصُّوفِيَّةُ صُوفِيَّةً لصَفَاءِ أسْرَارِهَا، ونَقَاءِ آثارها”.
وقال بِشْرُ بنُ الحَارِث: “الصُّوفىُّ مَنْ صَفَا قلْبُهُ لله”.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: “الصُّوفىُّ مَنْ صَفَتْ لله مُعامَلَتُهُ، فَصَفَتْ له مِنَ الله عَزَّ وجلَّ كَرَامَتُهُ”.
وقال قَوْمٌ: “إنما سُمُّوا صُوفِيَّةً لأنَّهُمْ فى الصَّفَّ الأوَّلِ بَيْنَ يَدَى الله جَلَّ وَعزَّ
بارْتِفَاعِ هِمَمِهمْ إليه، وإقْبالِهِمْ عَلَيْهِ، ووُقُوفِهِمْ بسَرَائِرِهمْ بَيْنَ يَدَيْهِ”.
وقال قَوْمٌ: “إنما سُمُّوا صُوفِيَّةً لقُرْبِ أوْصَافِهِمْ مِنْ أَوْصَافِ أهْلَ الصُّفَّة، الذين كانوا على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم”.
وقال قَوْمٌ: “إنما سُمُّوا صُوفِيَّةً للِبْسِهِمُ الصُّوفَ”.
وأما من نَسَبَهُمْ إلى الصُّفَّة والصُّوفَ فإنه عبَّر عن ظاهر أحْوالهم، وذلك أنَّهُمْ قَوْمٌ قَدْ تركوا الدنيا، فَخَرَجُوا
عن الأوْطَانِ، وَهَجرُوا الأخْدَانَ، وساحُوا فى البلاد، وأجَاعُوا الأكْبَادَ، وأَعْرَوُا الأجْسَادَ،
لم يَأْخُذُوا من الدنيا إلاَّ ما لا يَجُوزُ تَرْكُهُ، مِنْ سَتْرِ عَوْرَةٍ وسَدِّ جَوْعَة.
فَلِخُرُوجِهِمْ عَنِ الأوْطَانِ سُمُّوا غُرَبَاءَ، ولِكْثَرةِ أسْفَارِهِمْ سُمُّوا سَيَّاحِينَ.
ومِنْ سِيَاحَتِهِمْ فى البَرَارى وإيوائِهِمْ إلى الكُهُوفِ عِنْدَ الضَّرُورَاتِ سَمَّاهُمْ بَعْضُ أهْلِ الدِّيَارِ
“شَكْفَتِيَّة” والشَّكْفَتُ بلُغَتِهِمْ {الفارسية}: الغَارُ والكَهْفُ.
وأهل الشَّام سَمّوهم “جُوعيَّةً” لأنهم إنما يَنَالُونَ مِنَ الطعام قدر ما يُقيمُ الصُّلْبَ للضّرُورَةِ،
كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: “بِحَسْبِ ابنِ آدَمَ أكَلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ”
وقال السَّرىُّ السَّقَطِىُّ وَوَصَفَهُمْ فقال: “أَكْلُهُمْ أَكْلُ المَرْضَى، ونَوْمُهُمْ نَوْمُ الغَرْقَى، وكَلاَمُهُمْ كَلامُ الخَرْقَى”.
ومِنْ تَخَلِّيهم عَنِ الأمْلاَكِ سُمُّوا فُقَرَاءَ.
قِيلَ لبَعْضِهِمْ: من الصُوفىُّ؟ قال:
“الَّذى لا يَمْلِكُ ولا يُمْلَكُ”؛ يَعْنى: لاَ يَسْتَرِقُّهُ الطَّمَعُ.
وقَالَ آخرُ: “هو الّذى لا يَمْلِكُ شيْئًا، وإنْ مَلَكُه بَذَلَهُ”.
ومِنْ لِبْسِهِمْ وزِيِّهِمْ سُمُّوا صُوفِيَّة، لأنَّهُم لم يَلْبِسُوا لحُظُوظِ النّفْسِ ما لاَنَ مَسُّهُ وحَسُنَ
مَنْظَرُهُ، وإنما لَبِسُوا لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، فتَجَزُّوا بالخَشِنِ مِنَ الشَّعَرِ، والغَلِيظ مِنَ الصُّوفِ.
ثم هذه كلُّها أحوالُ أهْلِ الصُّفَّة، الذين كانُوا على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فإنهم كانوا غرباء فقراءَ مُهاجرين، أُخْرجوا من ديارهم وأموالهم.
ووصَفَهم أبو هريرة وفَضَالة بن عُبَيْد فقالا:
“يَخِرُّونَ مِنَ الجُوعِ حَتَّى تَحْسَبَهُمُ الأعْرَابُ مجَانِينَ.
وكانَ لِبَاسُهُمُ الصُّوفَ، حَتَّى إنْ كانَ بَعْضُهُمْ يَعْرَقُ فيه فيُوجَدُ مِنْهُ رَائِحَةُ الضَّأْنِ إذا أصَابَهُ المَطَرُ”.
هذا وَصْفُ بعضهم لهم، حتى قال عُيينة بنُ حِصْنٍ للنبى صلى الله عليه وسلم:
“إنَّه ليُؤذِينى ريحُ هؤلاء أمَا يؤذِيكَ رِيحُهُمْ؟”.
ثم الصوفُ لباسُ الأنبياء، وزِىُّ الأولياء.
وقال أبو موسى الأشْعَرىُّ عن النبى صلى الله عليه وسلم:
“إنه مَرَّ بالصَّخْرَةِ مِنَ الرَّوْحَاءِ سَبْعُونَ نَبِيًّا حُفَاةً عَلَيْهِمُ العَبَاءُ يَؤُمُّونَ البَيْتَ العَتِيقَ”
وقال الحسنُ البصرىّ: “كان عيسى عليه السلام يَلْبَسُ الشّعَرَ، ويَأكُلُ مِنَ الشّجَرَةِ، وَيَبيتُ حيثُ أمْسَى”.
وقال أبو موسى: “كان النبى صلى الله عليه وسلم يَلْبسُ الصُّوفَ، ويَرْكَبُ الحِمَارَ، ويأْتى مَدْعَاةَ الضّعِيف”.
وقال الحسن البصرى: “لقَد أدْرَكْتُ سبعينَ بَدْريًّا ما كان لبَاسُهُمْ إلاّ الصُّوف”.
فلما كانت هذه الطائفةُ بصِفَةِ أهل الصُّفَّة فيما ذكرْنا، ولبسهم وزيّهم زىّ أهلها، سُمُّوا صُفِّيَّةً وصوفية.
ومن نسبهم إلى الصُّفَة والصَّفِّ الأوّل فإنه عَبِّر عن أسرارهم وبواطنهم، وذلك أنَ من ترك الدنيا وزهِدَ فيها وأعْرَض عنها، صَفَّى الله سِرَّهُ، ونوَّر قَلْبَهُ.
قال النبى صلى الله عليه وسلم: “إذا دَخَلَ النُّورُ فى القَلْبِ انْشَرَحَ وانْفَسَحَ”، قيل:
وما علامةُ ذلك يا رسول الله؟ قال:
“التَّجَافى عَنْ دَارِ الغُرُورِ، والإنَابَةُ إلى دَارِ الخُلُودِ، والاسْتِعدَادُ للمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ”
فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن من تجافَى عن الدنيا نَوَّرَ الله قلبه.
وقال حارثة حين سأله النبى صلى الله عليه وسلم: “مَا حَقِيقَةُ إيمانِكَ؟” قال:
عَزَفْتُ بنفسى عن الدنيا، فأظمأْتُ نهارى، وأسْهرتُ ليْلى، وكأنى أنظر إلى عرش ربى بارزًا، وكأنى أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون، وإلى أهل النار يتعادَوْن.
فأخبر أنه لما عَزَفَ عن الدنيا نَوَّرَ الله قلبَهُ، فكان ما غاب عنه بمنزلة ما يشاهده.
وقال النبى صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ أحَبَّ أنْ يَنْظُرَ إلى عَبْدٍ نَوَّرَ الله قَلْبَهُ فَلْيَنْظُرْ إلى حَارِثَةَ”فأخبر أنه منوَّر القلب.
وسُميت هذه الطائفة نُورِيَّة لهذه الأوصاف.
وهذا أيضًا من أوصاف أهل الصُّفَّة، قال الله تعالى:
((فَيه رِجَالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَّهُروا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)) [سورة التوبة، الآية:108].
والتطهّر بالظواهر عن الأنجاس، وبالبواطن عن الأهجاس.
وقال الله تعالى:
((رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ولاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ)) [سورة النور، الآية:37].
ثم لصفاء أسرارهم تَصْدُقُ فراسَتُهُمْ.
قال أبو أُمامة الباهلىُّ رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم:
“اتَّقُوا فَرَاسَةَ المؤْمِن فإنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله”
وقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه:
“أُلْقى فى رُوعى أن ذا بَطْن بنت خارجة”، فكان كما قال.
وقال النبى صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الحَقَّ لَيَنْطُقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ”
وقال أُوَيْس القَرَنى لهرم بن حيان حين سلَّم عليه:
“وعليك السلام يا هَرِمَ ابْنَ حَيَّانَ” ولم يكن رآه قبل ذلك؛ ثم قال له:
“عرَفَ رُوحى رُوحَكَ”.
وقال أبو عبد الله الأنطاكى:
“إذا جالسْتُمْ أَهْلَ الصِّدْقِ فجالِسُوهُمْ بالصِّدْقِ فإنهم جواسيسُ القلوبِ يَدْخُلُونَ فى أسرارِكُمْ ويخرُجُونَ مِنْ هِمَمِكُمْ”.
ثم من كان بهذه الصفة من صفوة سرِّه وطهارة قلبه ونور صدره فهو فى الصف الأول، لأن هذه أوصاف السابقين.
قال النبى صلى الله عليه وسلم: “يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفًا بغَيْرِ حِسَابٍ”
ثم وصفهم وقال: “الَّذِينَ لا يَرْقُونَ ولا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَكْوُونَ ولا يَكْتَوُونَ، وعلى رَبَِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ”
فلصفاء أسرارهم، وشَرْح صدورهم، وضياء قلوبهم:
صَحَّتْ معارفُهم بالله، فلم يرجعوا إلى الأسباب ثقةً بالله عز وجل، وتوكُّلاً عليه، ورِضًا بقضائه.
فقد اجتمعت هذه الأوصافُ كلُّها ومعانى هذه الأسماء كلُّها فى أسامى القوم والقابهم، وصحّت هذه العبارات وقَرُبَتْ هذه المآخذ.
وإن كانت هذه الألفاظ متغايرة فى الظاهر، فإن المعانى متفقة؛ لأنها إن أُخذت من الصفاء والصفوة كانت صَفَوية.
وإن أُضيفت إلى الصَّفّ أو الصُّفَّة كانت صَفِّية أو صُفِّية، ويجوز أن يكون تقديم الواو على الفاء فى لفظ الصوفية
وزيادتها فى لفظ الصَّفية والصُّفية إنما كانت من تَداوُلِ الألسن.
وإن جُعل مأخذه من الصوف، استقام اللفظ، وصحّت العبارة من حيث اللغة.
وجميع المعانى كلها من التخَلِّى عن الدنيا وعُزوف النفس عنها، وترك الأوطان ولزوم الأسفار، ومنع
النفوس حظوظها، وصفاء المعاملات، وصفوة الأسرار، وانشراح الصدور، وصفة السُّبَّاق.
وقال بندار بن الحسين:
“الصُّوفىّ من اخْتَارَهُ الحقُّ لنَفْسِهِ فَصَافَاهُ، وعَنْ نَفْسِه بَرَّّأهُ، ولم يُرِدْهُ إلى تَعَمُّلٍ وتَكَلُّفٍ بدَعْوَى.
وصُوفىّ على زِنَةِ عُوفىّ، أى عَافاهُ الله فعُوفى؛ وكُوفىّ، أى كَافَاهُ الله فكُوفىَ؛ وجُوزى، أى جازاه الله،
ففِعْلُ الله بِهِ ظاهِرٌ فى اسْمِهِ والله المتفَرِّدُ به”…….
وبعد ….. سؤال عام ,ماذا تقلون في التصوف……؟
دكتور محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العربالخمرُ المباح …..!! بقلم العالم الموسوعي بروفيسور د محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
هناك خمرٌ يُذهب العقل
وأخر هو عين العقل
الخمر حرام …..وهناك خمر حلال
السَّكَرُ : كلّ ما يُسكِرُ من خمر وشراب
ولكن هناك خمر أخر لا يسكر ولا يذهب العقل
قال الله تعالى : (( مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ ))
سورة محمد الأية 15.
هذا بالطبع في الجنة رزقنا الله وإياكم إياها إن شاء الله .
ولكن هناك سؤال يبرز لنا في الخفاء على حياء
هل هناك خمر مباح في الدنيا …؟
وأين نجده ؟
سؤال عاصف للذهن ولكنه لايُذهب العقل ….!!
هيا نقف على ضفاف نهر الخمر
ولكن لابد من الإستئذان من أصحاب المكان في كل زمان
نحن نقف على ضفاف نهر الحب عند الصوفية
للتصوف أسرار , وجزر في بحار , وأعماق وأشواق , ومعاجم ومغانم , ولغات ولهجات , وعلامات وإشارات , وكلمات وشطحات , وبصر ونظر, وجد وحذر .
التصوف مجرات في كف الملكوت, لايدور في فلكها إلا من نال الإذن …!
نحاول السياحة في مجرات التصوف , والسباحة بين شاطئ الحقيقة وجزر الألغاز .
نحاول أن نقف على الأرض قبل الطيران في السماء
هل أنتم مستعدون للإقلاع معنا في تلك الرحلة الروحانية ؟
حسناً بإذن الله نحلق في دنيا الحب مع المحب
لنطرح السؤال بمقتضى الحال
حال المحب لصاحب الحب
ماذا قالوا عن التصوف ؟
قَوْلُهُمْ فى الصُّوفِيَّةِ، ولِمَ سُمِّيَت الصُّوفِيَّةُ صُوفِيَّةً ؟
قالت طائِفَةٌ: “إنَّما سُمَّيَتِ الصُّوفِيَّةُ صُوفِيَّةً لصَفَاءِ أسْرَارِهَا، ونَقَاءِ آثارها”.
وقال بِشْرُ بنُ الحَارِث: “الصُّوفىُّ مَنْ صَفَا قلْبُهُ لله”.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: “الصُّوفىُّ مَنْ صَفَتْ لله مُعامَلَتُهُ، فَصَفَتْ له مِنَ الله عَزَّ وجلَّ كَرَامَتُهُ”.
وقال قَوْمٌ: “إنما سُمُّوا صُوفِيَّةً لأنَّهُمْ فى الصَّفَّ الأوَّلِ بَيْنَ يَدَى الله جَلَّ وَعزَّ
بارْتِفَاعِ هِمَمِهمْ إليه، وإقْبالِهِمْ عَلَيْهِ، ووُقُوفِهِمْ بسَرَائِرِهمْ بَيْنَ يَدَيْهِ”.
وقال قَوْمٌ: “إنما سُمُّوا صُوفِيَّةً لقُرْبِ أوْصَافِهِمْ مِنْ أَوْصَافِ أهْلَ الصُّفَّة، الذين كانوا على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم”.
وقال قَوْمٌ: “إنما سُمُّوا صُوفِيَّةً للِبْسِهِمُ الصُّوفَ”.
وأما من نَسَبَهُمْ إلى الصُّفَّة والصُّوفَ فإنه عبَّر عن ظاهر أحْوالهم، وذلك أنَّهُمْ قَوْمٌ قَدْ تركوا الدنيا، فَخَرَجُوا
عن الأوْطَانِ، وَهَجرُوا الأخْدَانَ، وساحُوا فى البلاد، وأجَاعُوا الأكْبَادَ، وأَعْرَوُا الأجْسَادَ،
لم يَأْخُذُوا من الدنيا إلاَّ ما لا يَجُوزُ تَرْكُهُ، مِنْ سَتْرِ عَوْرَةٍ وسَدِّ جَوْعَة.
فَلِخُرُوجِهِمْ عَنِ الأوْطَانِ سُمُّوا غُرَبَاءَ، ولِكْثَرةِ أسْفَارِهِمْ سُمُّوا سَيَّاحِينَ.
ومِنْ سِيَاحَتِهِمْ فى البَرَارى وإيوائِهِمْ إلى الكُهُوفِ عِنْدَ الضَّرُورَاتِ سَمَّاهُمْ بَعْضُ أهْلِ الدِّيَارِ
“شَكْفَتِيَّة” والشَّكْفَتُ بلُغَتِهِمْ {الفارسية}: الغَارُ والكَهْفُ.
وأهل الشَّام سَمّوهم “جُوعيَّةً” لأنهم إنما يَنَالُونَ مِنَ الطعام قدر ما يُقيمُ الصُّلْبَ للضّرُورَةِ،
كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: “بِحَسْبِ ابنِ آدَمَ أكَلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ”
وقال السَّرىُّ السَّقَطِىُّ وَوَصَفَهُمْ فقال: “أَكْلُهُمْ أَكْلُ المَرْضَى، ونَوْمُهُمْ نَوْمُ الغَرْقَى، وكَلاَمُهُمْ كَلامُ الخَرْقَى”.
ومِنْ تَخَلِّيهم عَنِ الأمْلاَكِ سُمُّوا فُقَرَاءَ.
قِيلَ لبَعْضِهِمْ: من الصُوفىُّ؟ قال:
“الَّذى لا يَمْلِكُ ولا يُمْلَكُ”؛ يَعْنى: لاَ يَسْتَرِقُّهُ الطَّمَعُ.
وقَالَ آخرُ: “هو الّذى لا يَمْلِكُ شيْئًا، وإنْ مَلَكُه بَذَلَهُ”.
ومِنْ لِبْسِهِمْ وزِيِّهِمْ سُمُّوا صُوفِيَّة، لأنَّهُم لم يَلْبِسُوا لحُظُوظِ النّفْسِ ما لاَنَ مَسُّهُ وحَسُنَ
مَنْظَرُهُ، وإنما لَبِسُوا لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، فتَجَزُّوا بالخَشِنِ مِنَ الشَّعَرِ، والغَلِيظ مِنَ الصُّوفِ.
ثم هذه كلُّها أحوالُ أهْلِ الصُّفَّة، الذين كانُوا على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فإنهم كانوا غرباء فقراءَ مُهاجرين، أُخْرجوا من ديارهم وأموالهم.
ووصَفَهم أبو هريرة وفَضَالة بن عُبَيْد فقالا:
“يَخِرُّونَ مِنَ الجُوعِ حَتَّى تَحْسَبَهُمُ الأعْرَابُ مجَانِينَ.
وكانَ لِبَاسُهُمُ الصُّوفَ، حَتَّى إنْ كانَ بَعْضُهُمْ يَعْرَقُ فيه فيُوجَدُ مِنْهُ رَائِحَةُ الضَّأْنِ إذا أصَابَهُ المَطَرُ”.
هذا وَصْفُ بعضهم لهم، حتى قال عُيينة بنُ حِصْنٍ للنبى صلى الله عليه وسلم:
“إنَّه ليُؤذِينى ريحُ هؤلاء أمَا يؤذِيكَ رِيحُهُمْ؟”.
ثم الصوفُ لباسُ الأنبياء، وزِىُّ الأولياء.
وقال أبو موسى الأشْعَرىُّ عن النبى صلى الله عليه وسلم:
“إنه مَرَّ بالصَّخْرَةِ مِنَ الرَّوْحَاءِ سَبْعُونَ نَبِيًّا حُفَاةً عَلَيْهِمُ العَبَاءُ يَؤُمُّونَ البَيْتَ العَتِيقَ”
وقال الحسنُ البصرىّ: “كان عيسى عليه السلام يَلْبَسُ الشّعَرَ، ويَأكُلُ مِنَ الشّجَرَةِ، وَيَبيتُ حيثُ أمْسَى”.
وقال أبو موسى: “كان النبى صلى الله عليه وسلم يَلْبسُ الصُّوفَ، ويَرْكَبُ الحِمَارَ، ويأْتى مَدْعَاةَ الضّعِيف”.
وقال الحسن البصرى: “لقَد أدْرَكْتُ سبعينَ بَدْريًّا ما كان لبَاسُهُمْ إلاّ الصُّوف”.
فلما كانت هذه الطائفةُ بصِفَةِ أهل الصُّفَّة فيما ذكرْنا، ولبسهم وزيّهم زىّ أهلها، سُمُّوا صُفِّيَّةً وصوفية.
ومن نسبهم إلى الصُّفَة والصَّفِّ الأوّل فإنه عَبِّر عن أسرارهم وبواطنهم، وذلك أنَ من ترك الدنيا وزهِدَ فيها وأعْرَض عنها، صَفَّى الله سِرَّهُ، ونوَّر قَلْبَهُ.
قال النبى صلى الله عليه وسلم: “إذا دَخَلَ النُّورُ فى القَلْبِ انْشَرَحَ وانْفَسَحَ”، قيل:
وما علامةُ ذلك يا رسول الله؟ قال:
“التَّجَافى عَنْ دَارِ الغُرُورِ، والإنَابَةُ إلى دَارِ الخُلُودِ، والاسْتِعدَادُ للمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ”
فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن من تجافَى عن الدنيا نَوَّرَ الله قلبه.
وقال حارثة حين سأله النبى صلى الله عليه وسلم: “مَا حَقِيقَةُ إيمانِكَ؟” قال:
عَزَفْتُ بنفسى عن الدنيا، فأظمأْتُ نهارى، وأسْهرتُ ليْلى، وكأنى أنظر إلى عرش ربى بارزًا، وكأنى أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون، وإلى أهل النار يتعادَوْن.
فأخبر أنه لما عَزَفَ عن الدنيا نَوَّرَ الله قلبَهُ، فكان ما غاب عنه بمنزلة ما يشاهده.
وقال النبى صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ أحَبَّ أنْ يَنْظُرَ إلى عَبْدٍ نَوَّرَ الله قَلْبَهُ فَلْيَنْظُرْ إلى حَارِثَةَ”فأخبر أنه منوَّر القلب.
وسُميت هذه الطائفة نُورِيَّة لهذه الأوصاف.
وهذا أيضًا من أوصاف أهل الصُّفَّة، قال الله تعالى:
((فَيه رِجَالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَّهُروا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)) [سورة التوبة، الآية:108].
والتطهّر بالظواهر عن الأنجاس، وبالبواطن عن الأهجاس.
وقال الله تعالى:
((رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ولاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ)) [سورة النور، الآية:37].
ثم لصفاء أسرارهم تَصْدُقُ فراسَتُهُمْ.
قال أبو أُمامة الباهلىُّ رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم:
“اتَّقُوا فَرَاسَةَ المؤْمِن فإنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله”
وقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه:
“أُلْقى فى رُوعى أن ذا بَطْن بنت خارجة”، فكان كما قال.
وقال النبى صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الحَقَّ لَيَنْطُقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ”
وقال أُوَيْس القَرَنى لهرم بن حيان حين سلَّم عليه:
“وعليك السلام يا هَرِمَ ابْنَ حَيَّانَ” ولم يكن رآه قبل ذلك؛ ثم قال له:
“عرَفَ رُوحى رُوحَكَ”.
وقال أبو عبد الله الأنطاكى:
“إذا جالسْتُمْ أَهْلَ الصِّدْقِ فجالِسُوهُمْ بالصِّدْقِ فإنهم جواسيسُ القلوبِ يَدْخُلُونَ فى أسرارِكُمْ ويخرُجُونَ مِنْ هِمَمِكُمْ”.
ثم من كان بهذه الصفة من صفوة سرِّه وطهارة قلبه ونور صدره فهو فى الصف الأول، لأن هذه أوصاف السابقين.
قال النبى صلى الله عليه وسلم: “يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفًا بغَيْرِ حِسَابٍ”
ثم وصفهم وقال: “الَّذِينَ لا يَرْقُونَ ولا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَكْوُونَ ولا يَكْتَوُونَ، وعلى رَبَِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ”
فلصفاء أسرارهم، وشَرْح صدورهم، وضياء قلوبهم:
صَحَّتْ معارفُهم بالله، فلم يرجعوا إلى الأسباب ثقةً بالله عز وجل، وتوكُّلاً عليه، ورِضًا بقضائه.
فقد اجتمعت هذه الأوصافُ كلُّها ومعانى هذه الأسماء كلُّها فى أسامى القوم والقابهم، وصحّت هذه العبارات وقَرُبَتْ هذه المآخذ.
وإن كانت هذه الألفاظ متغايرة فى الظاهر، فإن المعانى متفقة؛ لأنها إن أُخذت من الصفاء والصفوة كانت صَفَوية.
وإن أُضيفت إلى الصَّفّ أو الصُّفَّة كانت صَفِّية أو صُفِّية، ويجوز أن يكون تقديم الواو على الفاء فى لفظ الصوفية
وزيادتها فى لفظ الصَّفية والصُّفية إنما كانت من تَداوُلِ الألسن.
وإن جُعل مأخذه من الصوف، استقام اللفظ، وصحّت العبارة من حيث اللغة.
وجميع المعانى كلها من التخَلِّى عن الدنيا وعُزوف النفس عنها، وترك الأوطان ولزوم الأسفار، ومنع
النفوس حظوظها، وصفاء المعاملات، وصفوة الأسرار، وانشراح الصدور، وصفة السُّبَّاق.
وقال بندار بن الحسين:
“الصُّوفىّ من اخْتَارَهُ الحقُّ لنَفْسِهِ فَصَافَاهُ، وعَنْ نَفْسِه بَرَّّأهُ، ولم يُرِدْهُ إلى تَعَمُّلٍ وتَكَلُّفٍ بدَعْوَى.
وصُوفىّ على زِنَةِ عُوفىّ، أى عَافاهُ الله فعُوفى؛ وكُوفىّ، أى كَافَاهُ الله فكُوفىَ؛ وجُوزى، أى جازاه الله،
ففِعْلُ الله بِهِ ظاهِرٌ فى اسْمِهِ والله المتفَرِّدُ به”…….
وبعد ….. سؤال عام ,ماذا تقلون في التصوف……؟
دكتور محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العربالخمرُ المباح …..!!
هناك خمرٌ يُذهب العقل
وأخر هو عين العقل
الخمر حرام …..وهناك خمر حلال
السَّكَرُ : كلّ ما يُسكِرُ من خمر وشراب
ولكن هناك خمر أخر لا يسكر ولا يذهب العقل
قال الله تعالى : (( مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ ))
سورة محمد الأية 15.
هذا بالطبع في الجنة رزقنا الله وإياكم إياها إن شاء الله .
ولكن هناك سؤال يبرز لنا في الخفاء على حياء
هل هناك خمر مباح في الدنيا …؟
وأين نجده ؟
سؤال عاصف للذهن ولكنه لايُذهب العقل ….!!
هيا نقف على ضفاف نهر الخمر
ولكن لابد من الإستئذان من أصحاب المكان في كل زمان
نحن نقف على ضفاف نهر الحب عند الصوفية
للتصوف أسرار , وجزر في بحار , وأعماق وأشواق , ومعاجم ومغانم , ولغات ولهجات , وعلامات وإشارات , وكلمات وشطحات , وبصر ونظر, وجد وحذر .
التصوف مجرات في كف الملكوت, لايدور في فلكها إلا من نال الإذن …!
نحاول السياحة في مجرات التصوف , والسباحة بين شاطئ الحقيقة وجزر الألغاز .
نحاول أن نقف على الأرض قبل الطيران في السماء
هل أنتم مستعدون للإقلاع معنا في تلك الرحلة الروحانية ؟
حسناً بإذن الله نحلق في دنيا الحب مع المحب
لنطرح السؤال بمقتضى الحال
حال المحب لصاحب الحب
ماذا قالوا عن التصوف ؟
قَوْلُهُمْ فى الصُّوفِيَّةِ، ولِمَ سُمِّيَت الصُّوفِيَّةُ صُوفِيَّةً ؟
قالت طائِفَةٌ: “إنَّما سُمَّيَتِ الصُّوفِيَّةُ صُوفِيَّةً لصَفَاءِ أسْرَارِهَا، ونَقَاءِ آثارها”.
وقال بِشْرُ بنُ الحَارِث: “الصُّوفىُّ مَنْ صَفَا قلْبُهُ لله”.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: “الصُّوفىُّ مَنْ صَفَتْ لله مُعامَلَتُهُ، فَصَفَتْ له مِنَ الله عَزَّ وجلَّ كَرَامَتُهُ”.
وقال قَوْمٌ: “إنما سُمُّوا صُوفِيَّةً لأنَّهُمْ فى الصَّفَّ الأوَّلِ بَيْنَ يَدَى الله جَلَّ وَعزَّ
بارْتِفَاعِ هِمَمِهمْ إليه، وإقْبالِهِمْ عَلَيْهِ، ووُقُوفِهِمْ بسَرَائِرِهمْ بَيْنَ يَدَيْهِ”.
وقال قَوْمٌ: “إنما سُمُّوا صُوفِيَّةً لقُرْبِ أوْصَافِهِمْ مِنْ أَوْصَافِ أهْلَ الصُّفَّة، الذين كانوا على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم”.
وقال قَوْمٌ: “إنما سُمُّوا صُوفِيَّةً للِبْسِهِمُ الصُّوفَ”.
وأما من نَسَبَهُمْ إلى الصُّفَّة والصُّوفَ فإنه عبَّر عن ظاهر أحْوالهم، وذلك أنَّهُمْ قَوْمٌ قَدْ تركوا الدنيا، فَخَرَجُوا
عن الأوْطَانِ، وَهَجرُوا الأخْدَانَ، وساحُوا فى البلاد، وأجَاعُوا الأكْبَادَ، وأَعْرَوُا الأجْسَادَ،
لم يَأْخُذُوا من الدنيا إلاَّ ما لا يَجُوزُ تَرْكُهُ، مِنْ سَتْرِ عَوْرَةٍ وسَدِّ جَوْعَة.
فَلِخُرُوجِهِمْ عَنِ الأوْطَانِ سُمُّوا غُرَبَاءَ، ولِكْثَرةِ أسْفَارِهِمْ سُمُّوا سَيَّاحِينَ.
ومِنْ سِيَاحَتِهِمْ فى البَرَارى وإيوائِهِمْ إلى الكُهُوفِ عِنْدَ الضَّرُورَاتِ سَمَّاهُمْ بَعْضُ أهْلِ الدِّيَارِ
“شَكْفَتِيَّة” والشَّكْفَتُ بلُغَتِهِمْ {الفارسية}: الغَارُ والكَهْفُ.
وأهل الشَّام سَمّوهم “جُوعيَّةً” لأنهم إنما يَنَالُونَ مِنَ الطعام قدر ما يُقيمُ الصُّلْبَ للضّرُورَةِ،
كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: “بِحَسْبِ ابنِ آدَمَ أكَلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ”
وقال السَّرىُّ السَّقَطِىُّ وَوَصَفَهُمْ فقال: “أَكْلُهُمْ أَكْلُ المَرْضَى، ونَوْمُهُمْ نَوْمُ الغَرْقَى، وكَلاَمُهُمْ كَلامُ الخَرْقَى”.
ومِنْ تَخَلِّيهم عَنِ الأمْلاَكِ سُمُّوا فُقَرَاءَ.
قِيلَ لبَعْضِهِمْ: من الصُوفىُّ؟ قال:
“الَّذى لا يَمْلِكُ ولا يُمْلَكُ”؛ يَعْنى: لاَ يَسْتَرِقُّهُ الطَّمَعُ.
وقَالَ آخرُ: “هو الّذى لا يَمْلِكُ شيْئًا، وإنْ مَلَكُه بَذَلَهُ”.
ومِنْ لِبْسِهِمْ وزِيِّهِمْ سُمُّوا صُوفِيَّة، لأنَّهُم لم يَلْبِسُوا لحُظُوظِ النّفْسِ ما لاَنَ مَسُّهُ وحَسُنَ
مَنْظَرُهُ، وإنما لَبِسُوا لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، فتَجَزُّوا بالخَشِنِ مِنَ الشَّعَرِ، والغَلِيظ مِنَ الصُّوفِ.
ثم هذه كلُّها أحوالُ أهْلِ الصُّفَّة، الذين كانُوا على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فإنهم كانوا غرباء فقراءَ مُهاجرين، أُخْرجوا من ديارهم وأموالهم.
ووصَفَهم أبو هريرة وفَضَالة بن عُبَيْد فقالا:
“يَخِرُّونَ مِنَ الجُوعِ حَتَّى تَحْسَبَهُمُ الأعْرَابُ مجَانِينَ.
وكانَ لِبَاسُهُمُ الصُّوفَ، حَتَّى إنْ كانَ بَعْضُهُمْ يَعْرَقُ فيه فيُوجَدُ مِنْهُ رَائِحَةُ الضَّأْنِ إذا أصَابَهُ المَطَرُ”.
هذا وَصْفُ بعضهم لهم، حتى قال عُيينة بنُ حِصْنٍ للنبى صلى الله عليه وسلم:
“إنَّه ليُؤذِينى ريحُ هؤلاء أمَا يؤذِيكَ رِيحُهُمْ؟”.
ثم الصوفُ لباسُ الأنبياء، وزِىُّ الأولياء.
وقال أبو موسى الأشْعَرىُّ عن النبى صلى الله عليه وسلم:
“إنه مَرَّ بالصَّخْرَةِ مِنَ الرَّوْحَاءِ سَبْعُونَ نَبِيًّا حُفَاةً عَلَيْهِمُ العَبَاءُ يَؤُمُّونَ البَيْتَ العَتِيقَ”
وقال الحسنُ البصرىّ: “كان عيسى عليه السلام يَلْبَسُ الشّعَرَ، ويَأكُلُ مِنَ الشّجَرَةِ، وَيَبيتُ حيثُ أمْسَى”.
وقال أبو موسى: “كان النبى صلى الله عليه وسلم يَلْبسُ الصُّوفَ، ويَرْكَبُ الحِمَارَ، ويأْتى مَدْعَاةَ الضّعِيف”.
وقال الحسن البصرى: “لقَد أدْرَكْتُ سبعينَ بَدْريًّا ما كان لبَاسُهُمْ إلاّ الصُّوف”.
فلما كانت هذه الطائفةُ بصِفَةِ أهل الصُّفَّة فيما ذكرْنا، ولبسهم وزيّهم زىّ أهلها، سُمُّوا صُفِّيَّةً وصوفية.
ومن نسبهم إلى الصُّفَة والصَّفِّ الأوّل فإنه عَبِّر عن أسرارهم وبواطنهم، وذلك أنَ من ترك الدنيا وزهِدَ فيها وأعْرَض عنها، صَفَّى الله سِرَّهُ، ونوَّر قَلْبَهُ.
قال النبى صلى الله عليه وسلم: “إذا دَخَلَ النُّورُ فى القَلْبِ انْشَرَحَ وانْفَسَحَ”، قيل:
وما علامةُ ذلك يا رسول الله؟ قال:
“التَّجَافى عَنْ دَارِ الغُرُورِ، والإنَابَةُ إلى دَارِ الخُلُودِ، والاسْتِعدَادُ للمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ”
فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن من تجافَى عن الدنيا نَوَّرَ الله قلبه.
وقال حارثة حين سأله النبى صلى الله عليه وسلم: “مَا حَقِيقَةُ إيمانِكَ؟” قال:
عَزَفْتُ بنفسى عن الدنيا، فأظمأْتُ نهارى، وأسْهرتُ ليْلى، وكأنى أنظر إلى عرش ربى بارزًا، وكأنى أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون، وإلى أهل النار يتعادَوْن.
فأخبر أنه لما عَزَفَ عن الدنيا نَوَّرَ الله قلبَهُ، فكان ما غاب عنه بمنزلة ما يشاهده.
وقال النبى صلى الله عليه وسلم:
“مَنْ أحَبَّ أنْ يَنْظُرَ إلى عَبْدٍ نَوَّرَ الله قَلْبَهُ فَلْيَنْظُرْ إلى حَارِثَةَ”فأخبر أنه منوَّر القلب.
وسُميت هذه الطائفة نُورِيَّة لهذه الأوصاف.
وهذا أيضًا من أوصاف أهل الصُّفَّة، قال الله تعالى:
((فَيه رِجَالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَّهُروا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)) [سورة التوبة، الآية:108].
والتطهّر بالظواهر عن الأنجاس، وبالبواطن عن الأهجاس.
وقال الله تعالى:
((رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ولاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ)) [سورة النور، الآية:37].
ثم لصفاء أسرارهم تَصْدُقُ فراسَتُهُمْ.
قال أبو أُمامة الباهلىُّ رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم:
“اتَّقُوا فَرَاسَةَ المؤْمِن فإنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله”
وقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه:
“أُلْقى فى رُوعى أن ذا بَطْن بنت خارجة”، فكان كما قال.
وقال النبى صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الحَقَّ لَيَنْطُقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ”
وقال أُوَيْس القَرَنى لهرم بن حيان حين سلَّم عليه:
“وعليك السلام يا هَرِمَ ابْنَ حَيَّانَ” ولم يكن رآه قبل ذلك؛ ثم قال له:
“عرَفَ رُوحى رُوحَكَ”.
وقال أبو عبد الله الأنطاكى:
“إذا جالسْتُمْ أَهْلَ الصِّدْقِ فجالِسُوهُمْ بالصِّدْقِ فإنهم جواسيسُ القلوبِ يَدْخُلُونَ فى أسرارِكُمْ ويخرُجُونَ مِنْ هِمَمِكُمْ”.
ثم من كان بهذه الصفة من صفوة سرِّه وطهارة قلبه ونور صدره فهو فى الصف الأول، لأن هذه أوصاف السابقين.
قال النبى صلى الله عليه وسلم: “يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفًا بغَيْرِ حِسَابٍ”
ثم وصفهم وقال: “الَّذِينَ لا يَرْقُونَ ولا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَكْوُونَ ولا يَكْتَوُونَ، وعلى رَبَِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ”
فلصفاء أسرارهم، وشَرْح صدورهم، وضياء قلوبهم:
صَحَّتْ معارفُهم بالله، فلم يرجعوا إلى الأسباب ثقةً بالله عز وجل، وتوكُّلاً عليه، ورِضًا بقضائه.
فقد اجتمعت هذه الأوصافُ كلُّها ومعانى هذه الأسماء كلُّها فى أسامى القوم والقابهم، وصحّت هذه العبارات وقَرُبَتْ هذه المآخذ.
وإن كانت هذه الألفاظ متغايرة فى الظاهر، فإن المعانى متفقة؛ لأنها إن أُخذت من الصفاء والصفوة كانت صَفَوية.
وإن أُضيفت إلى الصَّفّ أو الصُّفَّة كانت صَفِّية أو صُفِّية، ويجوز أن يكون تقديم الواو على الفاء فى لفظ الصوفية
وزيادتها فى لفظ الصَّفية والصُّفية إنما كانت من تَداوُلِ الألسن.
وإن جُعل مأخذه من الصوف، استقام اللفظ، وصحّت العبارة من حيث اللغة.
وجميع المعانى كلها من التخَلِّى عن الدنيا وعُزوف النفس عنها، وترك الأوطان ولزوم الأسفار، ومنع
النفوس حظوظها، وصفاء المعاملات، وصفوة الأسرار، وانشراح الصدور، وصفة السُّبَّاق.
وقال بندار بن الحسين:
“الصُّوفىّ من اخْتَارَهُ الحقُّ لنَفْسِهِ فَصَافَاهُ، وعَنْ نَفْسِه بَرَّّأهُ، ولم يُرِدْهُ إلى تَعَمُّلٍ وتَكَلُّفٍ بدَعْوَى.
وصُوفىّ على زِنَةِ عُوفىّ، أى عَافاهُ الله فعُوفى؛ وكُوفىّ، أى كَافَاهُ الله فكُوفىَ؛ وجُوزى، أى جازاه الله،
ففِعْلُ الله بِهِ ظاهِرٌ فى اسْمِهِ والله المتفَرِّدُ به”…….
وبعد ….. سؤال عام ,ماذا تقلون في التصوف……؟
دكتور محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب