اقترب منها في بطء وأزاح الغطاء عن وجهها، لم تجرؤ على رفع أهدابها نحوه، طبع قبلة خفيفة فوق جبهتها، وصل مسامعه صوت ارتباكها وهى تبتلع ريقها في عصبية، تعجب لتلك القشعريرة التى سرت في جسدها وجعلتها ترتعد كالمحمومة، لقد تمادى في علاقته الجسدية مع سوزان كثيرًا ولولا بقايا من الالتزام تسكنه.. لولا القليل من شرقيته التى حاول التنصل منها بلا جدوى، لكان الآن يعاشرها معاشرة الأزواج، سوزان لا تعترض عندما يقبلها، لم ترفض تقربه منها مهما تمادى في ذلك، بل تغضب أحيانًا عندما يضطر إلى تركها تصارع رغبتها فيه، لكنها في كل الأحوال لم تصل إلى ما وصلت إليه ملك الآن لمجرد قبلة صغيرة فوق جبهتها
غمغم ساخطًا وهو يلعن الحيرة التى جعلته عاجزًا عن التصرف :
– أشعر بجوع شديد، هل أنت جائعة مثلى ؟
همست وهى تحاول التحكم في توترها الذى ظنت بأنه انتقل إليه.. فهو لم يكن يومًا بهذا التردد والارتباك الذى تراه به :
– نعم، أنا أيضًا جائعة جداً
– حسنًا، بدلى ملابسك وتعالى لنتشارك عشاءنا معًا
التفت إليها عندما تأوهت في ألم وقد انغرس دبوس الشعر في رأسها بينما تحاول جاهدة أن تنتزع الطرحة التى تشابكت أجزاؤها فأصابتها بمزيد من الارتباك
اقترب منها وقال مبتسمًا :
– كفى عصبية ودعينى أساعدك
نزع الطرحة عن شعرها برفق ووضعها فوق الفراش، هذا أفضل كثيرًا، صديقاتها أخبرنها بأن العريس الذى يحب عروسه هو من يخلع طرحتها بنفسه، لماذا تردد وجعلها تشك في حبه لها ؟
أراد أن يساعدها في خلع فستانها أيضًا لكنها همست بوجه تخضب احمرارًا :
– يكفى أن تفتح لى السحاب، وأنا سأتولى تبديل ملابسى
ابتسم وهو ينفذ ما طلبته منه وما كاد يفعل حتى أخذت ملابسها واختفت في غرفة أخرى مما أصابه بنوبة من الضحك بلغ مسامعها فزادها خجلًا، عادت بعد قليل ترتدى قميص نوم أبيض عارى الصدر والأكمام، هو أيضًا كان قد بدل ملابسه وارتدى منامة حريرية بيضاء
جلسا يتناولان طعامهما في صمت وقد بدأ خجلها منه يتلاشى تدريجيًا وهى ترى زهده الواضح فيها، فهو عدا تلك القبلة التى طبعها فوق جبينها منذ أكثر من ساعة، لم يفعل شيئًا، قميصها العارى الذى لم ترتد الروب فوقه كما نصحتها خالتها، لم يفلح في إثارة غرائزه نحوها، لم يحاول أن يضمها لصدره، لم يقبل شفتيها حتى الآن، بل أنه لم يحاول أن يطعمها كما يفعل العريس عادة في تلك الليلة..!
ما يفعله معها الآن يختلف تمامًا عن كل ما قرأته في الروايات العاطفية، وما شاهدته في أفلام الحب والرومانسية.. وما أخبرنها به صديقاتها أيضًا، ترى ماذا به ولماذا يتجاهلها هكذا، ربما كان يشعر بالخجل هو أيضًا.. ؟!!
راحت تجمع الصحون بعد العشاء في ضجيج متعمد، لم يمنعها بل حتى لم يعلق بكلمة واحدة أو يحاول مساعدتها فيما تفعله، لم يحمل صحنًا عنها إلى المطبخ ولو مجاملة لها، عرجت مرة أخرى إلى غرفتها القديمة، تأملت نفسها في المرآة ….
أخبرتها خالتها سميرة بأنه اعتاد رؤية النساء العاريات أينما ذهب في بلاد الخواجات، أهذا ما يجعل قميصها الذى تراه هى فاضحًا لا يؤثر فيه..! ، وما الذى يمكنها أن تفعله أكثر من هذا حتى تثير رغبته فيها؟ هل عليها أن تبدأ هى بمداعبته؟
محال أن تفعل هذا، ولو حتى سيزهدها للأبد، نظرت إلى المنبه الصغير أمامها، مضى نصف الساعة وهى تتحدث إلى نفسها في هذه الغرفة، العجيب أنه لم ينادها، ألم يشعر بغيابها بعد ؟!!
عادت إلى حجرتهما مرة أخرى، كان جالسًا فوق الفراش وقد دفن وجهه بين كفيه، تزايد قلقها وهى تقترب منه، يبدو أن الأمر أكبر من كونه مجرد خجل، مست ذراعه برفق فرفع إليها وجهًا بائسًا، في عينيه مزيج من الحيرة والعذاب، كيف يخبرها بمشاعره تجاهها، فهو لم يعد قادرًا على تجاهل صراخ ضميره المعذب ؟.. ملك أغلى من أن يفعل بها ذلك، ملك البريئة لا تستحق أن يطلقها بعد أيام قليلة.. سوف يدمر سمعتها في هذه القرية، من سيقبل الزواج منها بعد أن يتركها.. كهل عجوز أم أرمل لديه دستة من الأطفال يطالبها بتربيتهم ورعايتهم طوال الوقت ؟ سوف ينهى حياتها قبل أن تبدأها، لن يشفع لها جمالها ولا شبابها، العذراء وحدها لها شأن آخر هنا، البكر تُحترم وتُشترى حتى وإن بدت قبيحة دميمة ! أما المطلقة فهى ……..
صرخ في صوت زاد من ريبتها فيه :
– لا أستطيع، لا أستطيع
– خالد .. ماذا بك ؟
صمته أكد شكوكها.. همست في ارتباك و ابتسامة مصطنعة :
– لا شيء يستحق أن تهتم لأجله هكذا؟ اطمئن، سوف أبقى معك في كل الظروف، مهما كان ما تعانيه، أنا لن أتخلى عنك أبدًا
ابتسم ابتسامة باهتة، آهٍ.. لو تعلم بأنه يخدعها ؟ وأنها ليست إلا درجة يعتليها ليصل إلى ما بعدها في سلم طموحه ومستقبله، كم كان يود أن يخبرها بأنه هو أيضًا لن يتخلى عنها أبدًا، آهٍ.. لو يستطيع أن يحتفظ بها في عصمته، لو لم يكن مجبرًا على تطليقها لاحقًا..! ، الشرع يبيح له هذا، بإمكانه الاحتفاظ بها إن شاء، يستطيع ان يتركها هنا في مصر ويأتى إليها من حين لآخر، هذا الحل أفضل كثيرًا من طلاقه لها، سيكون أقل وطأة على والدته أيضًا
ولكن ماذا عن سوزان؟ هو يعلم أنها لن ترضى أبدًا أن تكون زوجة ثانية وحتى إن كانت زوجته الأولى في بلد آخر بعيد عنها كل البعد، فبرغم كونها مصرية الأصل إلا أنها تعتز كثيرًا بالجنسية الأمريكية التى حصلت عليها، بل وتصر أيضًا على أن يعاملها الجميع بها
تنبه على صوتها الحانى يهمس من جديد :
– اخبرنى بما يزعجك وأعدك بأننى لن أخبر أحدًا ولا حتى خالتى، لقد أصبحت زوجتك الآن، تأكد أننى لن أخذلك ابدًا
لم يبد على وجهه أى علامات تخبرها بأنه استوعب ما تقوله فعادت تغمغم :
– هل أنت مريض ؟
– مريض ؟!
أسرعت تقول :
– الطب تقدم كثيرًا هذه الأيام، حتى وإن كان الأطباء لم يتوصلوا لعلاج حالتك بعد، هذا لا يعنينى أبدًا
ضاقت عيناه وهو يستمع إليها، يا له من حل سحرى تقدمه له على طبق من ذهب، حل يستطيع بمقتضاه أن يطلقها بلا مشاكل، حل سيحصل به على كافة حقوقه وسيحفظ لها كرامتها أمام الجميع في وقت واحد، ستكون المطلقة العذراء، سيمكنها الزواج مرة أخرى من الرجل المناسب الذى تستحقه، لن تضطر للتضحية.. لن يطاردها الشعور بالنقص، والدته أيضًا لن تغضب حينها بل سيظهر في عينيها بصورة الشهيد الذى ضحى بسعادته من أجل سعادة ملك، ستحاول تعويضه عما أصابه بكل الطرق المتاحة، ستمنحه ثروته بل وتشجعه على السفر للخارج من أجل العلاج أيضًا، وهناك يتزوج من سوزان ويحيا حياته كما يريد هو أن يحياها ولكن ……….
بدت في صراع مع حيائها وهى تغمغم في صوت بالكاد بلغ مسامعه :
– خالد، دعنا نجرب وإذا لم تنجح سـ………
– أنا لست عاجزًا يا ملك
انفرجت شفتاها وتراجعت للخلف في فزع دون أن ترفع نظراتها عنه، إن لم يكن عاجزًا، فما الذى يمنعه من الاقتراب منها ؟
الجواب الذى تردده أعماقها لا يرضيها ابدًا، ربما كان يقينها السابق بعجزه جنسيًا أهون عليها مما تشعر به الآن، لماذا تزوجها إذًا إن لم يكن راغبًا فيها ؟
أطلق تنهيدة طويلة وهو ينظر في عينيها التى تعلقت به في انتظار قائلاً :
– ملك، أنا أعشق امرأة أخرى
ساد الصمت بينهما قبل أن تضحك في بلاهة.. بينما أردف هو محاولًا الدفاع عن نفسه :-
– والدتى هى من أجبرتنى على الزواج منك، هددتنى بحرمانى من حقى في ميراث أبى عندما رفضت هذا الزواج، لم تترك لى خيارًا آخر
لم تجد فى نفسها القدرة على التعليق بعد، قال محاولًا التخفيف عنها :
– ملك، كان من الممكن أن أستمر في خداعك، كان باستطاعتى أن أستغل طيبتك وبراءتك للمنتهى
همست كالتائهة :
– وما الذى منعك من هذا ؟ ليتك فعلت
تأملها في حيرة من جديد قبل أن يبادلها الهمس قائلًا :
– أعدك بأن ابذل قصارى جهدى لأكفر عن ذنبى في حقك يا ملك، سأعوضك عن خطأى غير المقصود، تأكدى بأنك لن تندمى على زواجك منى، سوف نبحر في رحلة حول العالم كما كنت تتمنين دائمًا، احلمى بما شئت وسوف أحققه لك، سنخرج من هذه الزيجة ونحن أكثر صداقة عن ذى قبل
غمغمت مصدومة :
– صداقة …!
– نعم يا ملك.. أعدك بأنـــ…..
غمغمت وكأنها لم تسمعه :
– لكنك كنت تحبنى قبل رحيلك إلى أمريكا.. أليس كذلك؟
قال ساخرًا :
– كنا أطفالًا يا ملك!