بقلم / الباحثة ميادة عبدالعال
الحرية جزء من الفطرة البشرية تولد مع الإنسان والعقل ما يميز هذا الكائن عن باقى المخلوقات .
العقل وحسن التميز والإدراك ما يميز الإنسان ليستطيع أن يفرق بين الخير والشر , تعتبر حياة الإنسان السوي كلها, بحثاً مستمراً عن معنى الحرية المتأصل في وجوده وكيانه, والمتجذر في مختلف مستويات تجربته الإنسانية.
الحرية كتوق إلى الكرامة, والانعتاق من كل الأغلال, والتحرر من الكوابح والقيود إرادة طبيعية ومتأصلة لدى الإنسان. وتقر بهذه الحقيقة الأديان السماوية والمذاهب الإنسانية على السواء. وهي من ضرورات الوجود الإنساني, إذ كل المعطيات الوجدانية والدينية والحضارية تدفع إلى الاعتقاد الجازم, بأن الحرية كحاجة إنسانية هي من ضرورات حياته ووجوده, ولاتتحقق إنسانيته بالكامل إلا بها.
لذلك نرى أن الثقافة الإنسانية السوية, هي في جوهرها صوت الوعي بالحرية، ووسيلة اكتشاف المفارقات العميقة في أي كيان اجتماعى ، من جراء غياب أو تغييب الحرية.
الحرية لا تنجز على الصعيد المجتمعي ، من خلال تعريفها وضبط مصطلحها ومعناها القاموسي فحسب ، بل إنجازها مرهون بتوفر وخلق جملة من الممارسات والجهود المتواصلة,التي تدفع إلى صنع حقائق جديدة, تؤهلها إلى الإنخراط الفعلي في العالم, على قاعدة متينة من الإيمان النظري والممارسة العملية بقيمة الحرية.
فالحرية ليست مجرد وصف محدد أو معنى سياسي متفق عليه, بل هي الإرادة والعزم وتحمل الصعاب وتقديم التضحيات لتعميق شروط ممارسة الحرية , حينما تكون جزءاً من منظومة فكرية متكاملة, تأخذ على عاتقها تجديد الرؤية إلى عمق العقل والسلم والسلام الزاتى, ذلك المخزون الحضاري الكبير, وتجدد إمكانات الأمة وتعبئ طاقاتها وقدراتها في سبيل اجتراح نهضتها وإنتاج حلول أصيلة لمشاكلها وأزماتها.
بالتالي تخلق هذه المنظومة شروطاً ووقائع ، تسمح للفرد والجماعة بممارسة اختياراتهم وقناعاتهم الفكرية ، هل تصلح الحياة وتهنأ إلا في ظلال الحرية؟ وهل يسبح الفكر في عالم النبوغ والعبقرية إلا على أجنحتها ؟ كيف يتذوق طعم الحرية من كان كالقطيع، يؤمر فيطيع ؟
إن الشعوب التي آمنت بحقها في الحياة، وابتسمت للصعاب، هي التي ناضلت، وأتقنت “صناعة الحياة” في سبيل حريتها، وكرامتها، وأيقنت، وعرفت سلفا، أن طريق الحرية ليست مفروشة بالورود والرياحين.
هنا ندرك أن حرية التفكير مثلا -التي لا يحسن أكثر الناس تعاطيها ومع ذلك يطالبون بحرية الكلام بمقابلها- هي الأولى بالنظر والعمل. وقلب الأولويات يعد نوعا من التعويم الوجودي ، الحرية”الإنسانية تتداخل بشكل واضح وصريح في عملية تكوين الأفعال، والأحداث بكل تجلياتها التاريخية، فهي-“الحرية”- في مداها البعيد جزء من إرادة الله في خلق الأفعال والأحداث، لأن الله فتح الحرية للإنسان ابتداء لكي يصنع تاريخه الفردي، والجماعي، اعتمادا على ما ركب في وجوده من قوى العقل المدرك ، والروح المنفعلة ، والحس المتحرك ؛ والإنسان بدوره عندما يستخدم حريته في صياغة أي حدث وتوجيه مصيره .
إنما يعتمد على مقدمات لا يمكنه بأي حال الاستغناء عنها:الزمان، المكان، ثم القيم والنُّظم والأعراف والتقاليد، مهما كانت نوعيتها سماوية أو مشتركة إنسانية أو اجتماعية على الساحة الكونية يختار الإنسان ما يتناسب مع إرادته، وإمكاناته، ومواصفاته الذاتية، ثم يأتي القدر الذي هو الجزاء- فهو لا يأتي على شكل ضربة مفاجئة- بل يرتبط أساسا ارتباطا منطقيا بمفهوم العدل.