د. رانيا لاشين
سطر الاستاذ الدكتور الهلالى الشربينى الهلالى، أستاذ تخطيط التعليم بجامعة المنصورة، ووزير التربية والتعليم والتعليم الفنى السابق، بعض الكلمات عن رؤيته في أزمة الهوية في عصر العولمة.
يبدأ كلماته: من المعلوم أن الهُويَّة تمثل حجر الأساس في تكوين الأمم؛ لأنها تتشكل من خلال تراكم معرفى تاريخي وثقافى، طويل ومشترك، ومن ثم لا تتحقق الوحدة الثقافية بين الدول أو الشعوب والمجتمعات عن طريق قرارات فوقية أو توجيهات عليا سياسية، وذلك على عكس الوحدة الاقتصادية التى لا تتطلب تراكمًا تاريخيًّا ثقافيًا مشتركًا، وينحصر كل ما تحتاجه فى مجرد إرادة سياسية وقرارات فوقية وبعض القواعد التنظيمية والتنفيذية، ويمكن أن نلاحظ ذلك بسهولة من خلال المقارنة بين وحدة أوربا والوحدة العربية ؛ حيث إن الأولى تعتمد بالأساس على تبادل المنافع والمصالح الاقتصادية، بل وتنطلق منها وتلتزم بها كل الأطراف المشاركة من خلال قرارات سياسية وقواعد تنظيمية وتنفيذية ، أما الثانية فتعتمد بالأساس على وحدة اللُّغة والتراكم التاريخى والثقافى المشترك، مع التمحور حول مجرد الفكرة والتغنى بها دون النظر للمصالح القومية والمنافع الوطنية المشتركة.
ويستكمل الشربيني الواقع أن العرب لم يتمكنوا يومًا عبر تاريخهم الطويل من ترجمة وحدتهم الثقافية إلى تكامل وتبادل للمنافع والمصالح ، وربما يعود ذلك لتضارب المصالح القطرية وارتماء البعض فى أحضان التبعية الأجنبية وخاصة فى عصر العولمة وما فرضته من تحديات وآليات باتت تعصف بكثير من الدول الفقيرة والضعيفة.
مضيفًا ولا شك أن المخاطر والتهديدات والفرص والتحديات التى تفرضها حركة العولمة على الهويَّة الثقافيَّة للدول الضعيفة والفقيرة تنعكس سلبًا وإيجابًا على مفهوم الدولة الوطنية وما يرتبط به من مفاهيم أخرى مثل الاستقلال والإرادة الوطنية؛ فهناك من يُجَمِل العولمة فيراها انتخاب وتجميع لكل القيم الإنسانية النبيلة الموجودة فى كل المجتمعات ونشرها على المستوى الإنسانى ، وهذا الكلام غير صحيح لأن واقع الحال أن العولمة تعنى القولبة، بمعنى قولبة العالم فى قالب واحد غربى أو بالأحرى أمريكى ، تدور فيه كل الأطراف فى فلك المركز الذى يجذبها نحوه ويشدها إليه، بل وإن شئت فقل أنه يربطها به برباط حديدى تتكون حلقاته من الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، والتخويف والتهديد ، وأحيانًا التخريب والتدمير، هو قالب يركز فى مركزه على قيم الإنتاج وإنجاز المشروعات القومية فى إطار من الخطط الاستراتيجية متوسطة وبعيدة المدى، وفى أطرافه يركز على نشر قيم الإستهلاك والاستمتاع والكسب السهل والإيقاع السريع، وكذا تضييع الوقت والجهد والمال فى صراعات جهوية، أو دينية مذهبية، أو عرقية وقبلية، وللعولمة أو بالأحرى “الهيمنة والاستعمار الجديد” أليات ومخالب وأدوات تُستخدم وقت الحاجة ضد المناوئين والمعارضين والرافضين؛ تضم منصات الإعلام الدولية القادرة على هدم مجتمعات فى أيام أو ساعات ، والشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات التى صارت تتحكم فى كل الثروات وعناصر الإنتاج، وكذا مؤتمرات الكبار ، والبنك الدولى، وصندوق النقد الدولى، والجنائية الدولية،بالإضافة إلى الأجيال الجديدة من الحروب التى تُبث عبر الأقمار الصناعية والقنوات الفضائيَّة، والإنترنت، وعبر ممارسات الحياة اليوميَّة، ونظم التدريب والتعلم والتعليم.
و يستوضح الشربيني بعض سطور محمد عابد الجابري في كتابه (مسألة الهُويَّة) سؤالًا جوهريًّا مضمونه “ما العربي”؟ ونضيف سؤالاً موازيًا وما الأوربى؟ وقد ذهب الجابري إلى أن الإجابة عن السؤال الأول ترتبط بنوع الوعي الذي يتسم به من يتلقى السؤال ويستقبله، فإذا كان هذا الشخص أوربيًا تشكل وعيه بواسطة وسائل الإعلام الغربية ، فإن وصفه للعربي سيكون “أنه شخص ينتمي إلى منطقة بها بترول وجماعات إسلامية متطرفة، أو مهاجر يزاحمه العمل” ، أما إذا كان متلقى السؤال شخصًا من أصول عربية أرغمته الظروف على الهجرة إلى أوربا، فإنه سيصف العربي بأنه ” شخص غير مرغوب فيه يتعرض لممارسات عنصرية” ، وعلى الجانب الآخر إذا طرح سؤال ما الأوربي؟ ستختلف بالطبع الإجابات طبقًا أيضًا لطبيعة المتلقى والبيئة التى نشأ فيها وتشكل فيها وعيه، والواقع أن تعدد الإجابات بهذه الصورة هو شيء طبيعي؛ لأن السؤال فى كلتا الحالتين يتعلق بالهُويَّة، التى هى وجود وماهية.
ويختتم الشربيني رؤيته في مواجهة خطر العولمة والمحافظة على الهُويَّة العربية ؛ فإن الأمر يتطلب منا نحن العرب أن نسلك دروب ونبذل جهود؛ أولها التشبث بالهوية والمحافظة على مفهوم الدولة الوطنية والمبادرة والسعى نحو بناء وحدة قومية عربية تحافظ على الهوية وتعتمد مبدأ التكامل وتبادل المنافع والمصالح ، وتتبنى منهج الإبداع الذاتى عبر إعادة الطلاب والمعلمين إلى المدارس ، وكذا التعاون والاعتماد المتبادل مع الآخر من مبدأ الندبة والمعاملة بالمثل ، ومن ثم التحول من الاستهلاك إلى الإنتاج ومن الاستيراد إلى التصدير ومن الجواب عن سؤال ما العربي؟ على أنه ” كيانًا خطيًا أو استاتيكيًا جامدًا ” إلى ” كونه هوية ديناميكية قادرة على التفاعل والتأثير والتأثر مع محيطها والخروج من جلبات القابعين فى مدرجات المتفرجين”.