د. بهاء حفني الشافعي
أيها القارئ الكريم:
من المعلوم أن ليلة القدر خير من ألف شهر، وهي أفضل ليلة من ليالي السنة؛ وعُلم شرف ليلتها بسورة كاملة في القرآن الكريم ألا وهي سورة القدر.
وإذا كانت ليلة القدر أفضل ليلة في السنة فإن يوم عرفة أفضل يوم في السنة يوم يباهي الله فيه ملائكته، ويقول: “هؤلاء عبادي جاءوني شعثًا سُفْعًا، يرجون رحمتي ومغفرتي؛ فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، وكعدد القطر، وكزبد البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم له”، وسيدنا النبي يقول: ” “صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله يكفر السنة التي قبله”.
وصوم يوم عرفة كما جاء في الحديث الآنف يكفر ذنوب سنتين، فما الذنوب التي يكفرها؟
قال الإمام النووي: “المراد بالذنوب الصغائر، وإن لم تكن الصغائر يرجى تخفيف الكبائر، فإن لم تكن رفعت الدرجات” أ.هـ.، وهو مذهب أهل السنة؛ لأن الكبائر لابد لها من توبة؛ ليغفرها الله سبحانه.
فإن قيل كيف يكفر ذنوب سنة قابلة لم تقع من الأساس؟!، أقول: قد ورد عن الماوردي رحمه الله أنه يحفظه سبحانه من الوقوع في الذنوب في السنة القادمة، وقيل أيضا: يكفر له الذنوب التي وقعت منه من الصغائر واللمم، أو يعطيه قدرا من الحسنات يمحي به أثر الذنوب؛ لقوله تعالى: ” وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ “.
من يجوز له أن يصوم عرفة؟
يستحب صيام يوم عرفة لغير الحاج ولمن حُبِس من الحجاج عن الوصول لعرفة إلا ليلا، ويكره صوم يوم عرفة للحاج؛ لنهي سيدنا رسول الله عن ذلك، ولوجود مشقة في صيامه.
وأختم بقولي:
سيدنا النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أرشدنا إلى التعرض لنفحات رحمة الله شفقة بنا ورحمة وخوفًا علينا؛ فقال: “اطلبوا الخير الدهر كله وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم… الحديث” أو كما قال، وقال أيضا: “أكلفوا أنفسكم من الطاعة ما تطيقون فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل”.
ويكفي في فضل يوم عرفة أنه نزل فيه قوله تعالى: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”، ويكفي كذلك قول سيدي رسول الله: “الحج عرفة”.