الدكتور عادل عامر
تسعى مصر إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال إطلاق رؤية مصر 2030، ورفع معدلات النمو الاقتصادي، وتؤمن مصر بأن القضاء على الفساد هو المفتاح السحري لزيادة تدفق الاستثمارات ونجاح منظومة الإصلاح الاقتصادي، حيث نجحت الدولة المصرية في مواجهة الفساد والتصدي له بشتى صوره، خلال الاستراتيجية الأولى، وهي الآن تبدأ الاستراتيجية الثانية بنجاح متواصل.
أن الاستراتيجية تحتوي على العديد من النقاط الإيجابية، لكنها لا تتعدى المستوى الخطابي والإنشائي، وتصلح ربما كمبادئ توجيهية للعاملين في الجهاز الإداري والتنفيذي، أو كخطة حكومية طموحة متوسطة الأجل، أو لمغازلة الرأي العام وتهدئته وبث الأمل في نفوس المواطنين في فترات صعبة على المستوى الاقتصادي.
لان الاستراتيجية تمثل توسع في تأميم ملفات الفساد وجعل العمل عليها حكرا على أجهزة الدولة التنفيذية، ويتنافى ذلك مع مبادئ الشفافية التي لا تصح أي جهود لمكافحة الفساد بدونها، فاللجان التي من المفترض أن تكون مستقلة مثل اللجنة التنسيقية الوطنية لمكافحة الفساد ولجنة استرداد الأموال المنهوبة يترأسها شخصيات حكومية بصفتهم وليس حتى بشخصهم، وهم رئيس الوزراء ووزير العدل بالترتيب، ويتشكل أغلب، إن لم يكن كل أعضاءهم، من شخصيات حكومية تنفيذية.
غير أن هذا يضرب مبدأ الشفافية شديد الارتباط بمكافحة الفساد في جوهره، فإنه أيضا غالبا ما يعبر عن عدم ثقة الدولة في المجتمع المدني وفي أحقية المواطنين في المعرفة ومراقبة أموالهم كدافعي ضرائب يحق لهم الاطلاع على وسائل إنفاق أموالهم.
بشكل عام، هناك أربعة تحديات تعيق سياسات مكافحة الفساد في المغرب: التحدي الأول مرتبط بجدية الإرادة السياسية لمحاربة الفساد. التحدي الثاني يرجع إلى الاختلالات والنواقص على مستوى الإطار القانوني والمؤسساتي وضعف الأداء المؤسساتي في هذا الشأن، ولا سيما محدودية فعالية النظام الوطني للنزاهة بوجه عام، وعلى مستوى منظومة المحاسبة بوجه خاص. والتحدي الثالث يتمثل في الضعف المسجل على مستوى الموارد والقدرات، والبطء في تفعيل مؤسسات الحكامة،
والخلط بين تحسين الحكامة ومحاربة الفساد. والتحدي الرابع والأخير يتمثل في الصعوبات الملحوظة على مستوى إدماج المجتمع المدني في الجهود الرسمية، وكذا شيوع ثقافة التطبيع مع الفساد. وكل ذلك على الرغم من أن الخطاب الرسمي يتحدث عن جهود مبذولة وبرامج مسطرة وإجراءات متخذة على كافة المستويات السياسية والقانونية والإدارية رغم كل الترسانة القانونية والمنظومة المؤسساتية وحزمة الإجراءات التي حققتها الدولة، فإن الفساد مازال مستشريا بالمغرب، مخلفا آثارا وخيمة اقتصادية واجتماعية ومعنوية على مستوى صورة المغرب.
إذ تقدر الخسائر بما يتراوح بين 5% و7% من الناتج الداخلي الخام، أي ما لا يقل عن ربع ميزانية الدولة وثلاث مرات ميزانية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. كما شكلت وما تزال موجات الاحتجاجات والتوترات الاجتماعية صدى لعدم الرضا الشعبي بخصوص نزاهة وحسن تدبير الشأن العام بالمغرب.
وتؤكد ذلك مجموعة من التقارير الوطنية والدولية وعلى رأسها مؤشر إدراك الفساد السنوي الذي تصدره منظمة ترانسبرانسي الدولية؛ وبحسب آخر تقرير للمنظمة صدر سنة 2018، ويهم سنة 2017، حصلت الدول العربية، باستثناء الإمارات وقطر، على مؤشرات متدنية في محاربة الفساد. فحصلت السعودية على 49 %، مقابل 44% لسلطنة عمان، و42% لتونس، بينما حصل المغرب على 40% فقط وجاء في المرتبة ال 81 بين دول العالم المعتمدة في المؤشر، وحل ثانيا بعد تونس على مستوى منطقة المغرب العربي
. رغم ما يبدو من إرادة حسنة تتمثل في مجموعة من المساعي والإجراءات التي قامت بها الحكومة، إلا أنها تظل محدودة وغير فعالة. وأحد أهم الأسباب يتجلى في ضعف تمثل المعايير والممارسات الفضلى الدولية لحسن سير أجهزة الحكامة ومكافحة الفساد، ولا سيما فيما يخص الاستقلالية والحرية في العمل والموارد والقدرات، وضعف التواصل والتنسيق فيما بينها وفي علاقاتها مع كل من الحكومة والبرلمان والقضاء.
ومن منظور موضوعي بقدر أكبر، هناك أوجه تشابه بين مبادئ مكافحة الفساد الرئيسية (مثل المشاركة والشفافية والحصول على المعلومات والمساءلة) ونطاق حقوق الإنسان (مثل حرية التعبير وحرية وسائط الإعلام والحصول على المعلومات ومبدأ عدم التمييز).
وبالتالي، فإن تعزيز التمتع بحقوق الإنسان بوجه عام، وبحقوق مدنية أو سياسية محددة ومبدأ عدم التمييز بوجه خاص، أداة ناجعة لمكافحة الفساد. وإذا كانت مكافحة الفساد عن طريق القانون الجنائي والقانون الخاص تعني اتخاذ تدابير قمعية وتصحيحية، فإن النهوض بحقوق الإنسان وتعزيزها تدبير وقائي لمكافحة الفساد.
والمواجهة الشاملة للفساد تتضمن مؤسسات فعالة، وقوانين ملائمة، وإصلاحات لتحقيق الحكم الرشيد، وكذلك إشراك جميع الجهات المعنية صاحبة المصلحة في العمل داخل الحكومة وخارجها في عملية مكافحة الفساد.
كما أن دور القضاء وأمناء المظالم والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في التصدي للفساد وإمكانية تعاونهم مع الوكالات الوطنية والدولية لمكافحة الفساد جديران بالبحث أيضاً، وجهود القضاء ونظام سيادة القانون بوجه عام في الدعوة إلى اعتماد القوانين ذات الصلة وكذلك في تنفيذ الإطار القانوني القائم جهود ذات صلة أيضاً بهذا النقاش.
ومن التدابير التي يمكنها تعزيز الشفافية والمساءلة والإسهام في التدابير المستدامة لمكافحة الفساد اعتماد قوانين تضمن وصول الجماهير إلى المعلومات المتعلقة بالعمليات الحكومية، وقرارات وسياسات وأيضاً إصلاحات مؤسسية تعزز الشفافية والمساءلة وذلك، على سبيل المثال، من خلال إجراء إصلاح في الإجراءات التشغيلية وعمليات صنع القرارات لدى المؤسسات، بما فيها المؤسسات المنتخبة والمؤسسات المسؤولة عن تقديم الخدمات.
وللمجتمع المدني الملتزم ووسائط الإعلام التي تثمّن المساءلة والشفافية وتطلبهما أهمية حيوية في التصدي للفساد. ويمكن استخلاص دروس من خبرة حركات حقوق الإنسان في إذكاء وعي المجتمع المدني بعواقب الفساد الضارة وفي إقامة التحالفات مع مؤسسات الدول ومع القطاع الخاص دعماً لجهود مكافحة الفساد. ويستطيع كل من المجتمع المدني والقطاع الخاص الاضطلاع بدور حاسم في إجراء الإصلاح المؤسسي اللازم لتعزيز الشفافية والمساءلة.
ويمكن أن يؤدي الفساد إلى انتهاك حقوق الإنسان بصورة مباشرة أو غير مباشرة. فالفساد يمكن أن يشكل انتهاكاً مباشراً لحقوق الإنسان عندما يستخدم فعل الفساد قصداً وسيلة لانتهاك حق من الحقوق، أو عندما تتصرف الدولة بحيث تمنع أفراداً من التمتع بحق من حقوقهم أو تعجز عن التصرف بحيث تهيئ لأفراد التمتع بذلك الحق.
وفي أوضاع أخرى، يكون الفساد عاملاً أساسياً يساهم في سلسلة أحداث تؤدي في نهاية المطاف إلى انتهاك حق من حقوق الإنسان. وفي هذه الحالة، ينتهك الحق بعمل يتفرع عن فعل من أفعال الفساد ويكون فعل الفساد شرطاً لازماً لوقوع الانتهاك. وينشأ هذا الوضع مثلاً إذا سمح مسؤولون عموميون بتوريد نفايات سامة بصورة غير قانونية من بلدان أخرى مقابل رشوة، وتوضع تلك النفايات في مناطق سكنية أو بالقرب منها.
فحق السكان في الحياة وحقهم في الصحة من شأنهما أن ينتهكا بسبب الانتهاك الذي كان نتيجة مباشرة للرشوة.
ومثال آخر هو حالة السجناء المرغمين على رشوة الحراس لتجنب سوء المعاملة أو لتأمين ظروف احتجاز جيدة. وهذا النوع من الفساد يؤثر مباشرة في مجموعة من الناس بأكملها. ومثلما ذكرت لجنة مناهضة التعذيب في تقرير أصدرته مؤخراً: “يتطلب الربط بين أطر مكافحة الفساد وحقوق الإنسان في الممارسة العملية فهماً للكيفية التي تسهّل بها حلقة الفساد انتهاكات حقوق الإنسان وتديمها وتجعلها ممارسة مؤسسية”.