بقلم/ وليد.ع.العايش
________
إذنْ ليلى لمْ تُخنْ الأمانة، فالرسالةُ حطّتْ رِحالها بينَ يدي تلكَ الصغيرة .
استيقظتُ على زقزقةِ عصفورٍ أطلَّ منْ نافذةِ غُرفتي، وكأنّهُ ملاك آتٍ منْ سماءٍ لانهاية لها، كانَ شقيقي يُطلِقُ العِنانَ لشخيرهِ المُعتاد، شيءٌ مِنَ الخوف يتوسّدُ قلبي، وبعض فرحٍ يسافرُ عبرَ شراييني، كان القلمُ مرميّاً على طرفِ سريري، تذكرّتُ بأنّي كنتُ أكتبُ واجبي المدرسي، لكني لمْ أُكْمِلَهُ، فقدْ قهرني النوم، لا ضيرَ في ذلك فأنا أكرهُ الرياضيات.
ودّعتُ سريري مُطمئناً لأواجهَ أمّي خارجَ الغرفة، رُبّما كانت تَهمُّ بالدخولِ إلينا لتوقظنا كعادتها كلّ يوم.
– صباح الخير يا أمي …
– صباح الخيرات يابني، هيا كي لا تتأخر على المدرسة …
كان الماءُ بارداً في ذاك الصباح، فلمْ أُكْثِرَ مِنهُ، أخشى البردُ، بلْ أمقتهُ كثيراً، لحظات تنطوي، أصبحتُ جاهزاً للانطلاقِ نحو مدرستي، كأسُ الشاي وحباتُ الزيتون تتربعُ على طاولةٍ أصابها الدهرُ بسياطه، وسندويشةُ أمّي ملفوفة بكيسٍ منَ النايلون تؤنِسُ وحدة الكأس، لم يكنْ الطعامُ مُستساغاً، فشربتُ الشاي ثمّ حملتُ حقيبتي وانطلقتُ صوبَ جَحافل زملائي في طرفِ الساحة .
– تأخرت ياعامر … ( قالها سليمُ بخبثٍ ) !!!
– مازال الوقتُ باكراً يا سليم، سنصلُ قبل أن يدقَّ الجرسُ …
– وإن تأخرنا فسوفَ تدقّنا عصا الموَجّهْ …
ضحك الجميع من قول سليم، فهمْ اعتادوا على تناولِ جُرعةٍ صباحيةٍ مُباركةٍ منْ تلكَ العصا كلّ أسبوعٍ على الأقل .
كانت السباحةُ نحو المدرسةِ سهلةً في ذلكَ اليوم، انتشرَ الرفاقُ في باحةٍ فسيحة، إلاَّ أنا فقدْ كانّ لديَّ عملٌ آخر، إنّها هناك، برقتْ عيناي شوقاً، دنوتُ من شلّةِ البنات دونَ أنْ يشعُرنَ بي، أول مَنْ شاهدتني ذات البنطال الأزرق الضيق ( لعلكم عرفتم مَنْ تكون) تركتْ الشلّة واتجهتْ نحوي .
– يا إلهي … قلبي يدقّ مُسرعاً كما عجلةِ قطارْ …
– صباحُكَ ياعامر … كيفَ حالك اليوم …
– أنا بخ … ير …
– بالتأكيد ستكون بخير … هههه ولِمَ أنتً خائفٌ إذنْ، وكأنّكَ ذاهب إلى المعركة …
– لستُ خائفاً ياصديقتي، انظري إلي، فأنا لا أخاف …
ضَحِكتْ مرّةً أخرى, ولكنْ بطريقةٍ مُختلفة .
– هاهي ثراء، لقد جاءت باكراً اليوم … ؟ …
– وماذا حصلَ بال … ورقة ياليلى …
– آهْ … تقصِد الرسالة ؟ لقدْ قرَأتّها ثراءُكَ منذُ عصرِ يومِ أمسْ … كانت سعيدةً جداً بها، ماذا كتبتَ لها يا … ( ملعون … ) …
تنهدّتُ بارتياحْ، اِنفرجتْ أساريري التي كادتْ أنْ تختنق منذ ولوج الصباح، نظرتُ إلى شلّةِ البنات، كانت ثراء ترتدي قميصها الزهريّ اللونْ تحاول أنْ تبدو غير مُبالية وهي تختلِسُ النظرَ إلينا، عندما تلاقتْ نظراتنا ( ابتسمت ) يالسحرِ ذاكَ الثغر، يالجمال بريق عينيها، غمزتُها لأولِ وهلة ودونَ أن أعي ما أفعل، كانت المرّةُ الأولى التي أغْمِزُ فيها فتاة، اِزدادتْ مساحةُ ابتسامتها، ومعها اِزدادَ تيارُ دقات قلبي … أتذكرين …
__________