بلعَ رِيقَهُ بِصعوبةٍ هذه المرة , دراجته الحجرية تأبى العودة , طريقٌ تُرابيٌّ مازالَ على رصيفِ الانتظار , التريثُ لمْ يعدْ ذا فائدةٍ هذا المساء , حركةٌ مُتسارعة تُزينُ الشارع الإسفلتي العريض , بقايا رُكام رجلٍ بينَ الزحام , عينان ترقُبْانِ بقلقٍ وحزنٍ , تِلكَ المرأةُ الأربعينيةُ تحتفِظُ بأنوثتها , تحملُ بِضعةَ أكياسٍ سوداءَ وتُغادر , تاركةً ابتسامة حارقة وحُفنةَ حركاتٍ مُثيرة , طفلٌ يُخْرِجُ رُزمةَ مالٍ ليدفع بلا اكتراث , ثلاثةٌ منَ الباعةِ يتحركونَ برشاقةٍ بينَ الرفوف الخشبية , تراتيلُ المساءِ تنطلقُ كعادتها اليومية , النورُ يلتحِفُ حاجياته قبلَ رحيله الازلي , الوقتُ باتَ سلاحاً فتّاكاً , خمسةُ أفواهٍ تنتظرُ على الضِفّةِ الأخرى , عينان تتربصانِ نهايةَ الطريقِ الترابي , حاولَ أنْ يدُسَ نظراته بينَ تلافيفِ جلبابٍ قديم , دمعةٌ تكسِرُ حاجزَ الفرار , مرارةُ الخيبةِ تقتحمُ رأسه المُزركشِ ببياضٍ جميل , الزحام يُطلقُ إنذارَ النهاية , اِزدراءُ الحقيقة أمسى صفعةً حادة , اِمتطى صهوةَ دراجتهِ الباكية , ركلَ الأرضَ بِقدمه الميتة , مازالتْ الدقائقُ تُعالِجُ الألمَ المُنسابَ بِرعشةِ رُعبٍ , فجأة تاهتْ كلّ الأحلام في حنايا زقاقٍ مؤلم , كادت الدراجةُ أنْ تتحركَ تحتَ ألمِ الاستسلام , أيقنَ بأنَّ الدرسَ اليومَ ثَمِلٌ بالخيبةِ , البائعُ الصغير ينظرُ منْ خلفِ شاشةِ نظارته الأيمى , رُبما كان يترقبُ زوالَ الزحام العنيد , تناولَ مِنديلاً أبيضاً , مسحَ جبينه الغضُّ وشيئاً أخفتهُ النظارة , الشمسُ أخيراً سقطتْ خلفَ الجبلِ العتيد , صرخَ البائعُ الصغير دونما أنْ يشعرَ بصدى صوته المبحوح , ( تعالَ أخي تعالْ ) , الغسقُ ينزوي خَجِلاً …