بقلم الأستاذ / عصام علي
لم يشأ ربُّ الإسلامِ أن تُتم حياتَك بنفسٍ واحدة ، بل أراد لك أكثر من نفس ، وأكثر من ذِكرى ؛ لذاك أمر حبيبه بالهجرة ، وجعلها خلفَ جهادٍ ، وعبادةٍ ، وصبرٍ ؛ لتدرك أن منطقية اللذة تأتي بعد صدق الدعوة ، وأن بِشر الفرحة لا يُخالجك إلا بعد ألم الصمود!!
تُشْعِرُكَ الهجرةُ بصورة مصغرة من صُورِ الدارِّ الآخرة ، فهي_إن شئت_ جنةُ الدنيا ونعيمها ، فرحتها أتت بعد عمل ، وهكذا الجنة من الدنيا شَعُرَ بفرحتِها وسعادتِها من تَأذّى في سبيلها ، وأقام ما أمر به الله _سبحانه _ كما بيّن وأراد ، رغم الموانع التي منعته ، والإيذاء الذي لَقِيه .
عند حلولها تَشعر بالجائزة وسماحة واهبها ، وتدرك أن كل عمل قُدِمَ في سبيلها _ مهما عَظُمَ_ قليل ويسير ؛ فتدفعك نحو الانطلاق من جديد ، نحو نفس أخرى أكثر طاعة وأقل معصية ، نحو نفس مدركة أن خالقها أرحم بها من مالكها ، وأنه – سبحانه- يريد لها -دائما – النجاة !!
تأخذك حقيقة الهجرة إلى نفس ترجوها ، وإلى حياة بيضاء تتأملها ، وتسعى جاهدا لإدراكها .
لم تكن الهجرة خروجًا من بلدٍ إلى بلد ، ولم تكن نزهةً سياحية ، بل كانت صنعا لنفس جديدة أكثر خشية ،وأقرب إلى كمال التضرع ، وصدق الإخلاص.
أراد رب الإسلام من خلال أمره لنبيه بالهجرة أن يسلمك مفاتيح نفسك ، ويطلعك على مكامن قوتك التي تستطيع فعل أي شيء متى أرادت ، وأن الحياة قابلة للتشكيل الذي تريد ، وأنك وحدك الذي تملك قرارك . أراد أن يلبسك لباس التقوى في بلد آخر ؛ لتوقن أنه صالح لكل زمان ومكان ، وأنه إذا عابه أحد فالجميع سيقبله بعد ذلك راضيا ؛ فلا تقف عند أول هزيمة ، بل استمر ، وجدد جلدك ؛ لأنه – سبحانه – أرادك كل يوم بقلب جديد في طاعته ورضوانه!!
كل عام أنتم فيه بنفوس جديدة غايتها رضا الله أكثر ..