د. محمد مأمون ليله
قال شيخنا المحدث أحمد بن عبد الستار النجار – حفظه الله- في كتابه 《قيام الإمام الحسين على الدولة اليزيدية وذكر مقتله وتمييز أقول أهل السنة والجماعة من أقوال أهل البدع:
المقدمة
الحمد لله معز الأولياء، ورافع منزلة الشهداء، القائل في كتابه الكريم: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾(١)
والصلاة والسلام على رسول الله القائل: «انتدب الله عز وجل لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا إيمان بي، وتصديق برسلي، أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة أو أدخله الجنة، ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أُحيا ثم أقتل ثم أُحيا ثم أقتل»(٢) .
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، أولي المجد العميم، والقدر العظيم، وأصحابه أجمعين، أولي الفضائل الظاهرة، والمفاخر الباهرة، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..
فإن الناظر في أيام الناس، وأحوالهم، وأخبارهم، وأديانهم، وتواريخهم، لا يجد في أمة من الأمم، ولا في دين من الأديان مَن يصدع بالحق، ويتسابق على الموت طلبًا للشهادة، كما يجده في أهل الإسلام، فإن المسلمين الذين قدموا أنفسهم لله يعسر حصرهم، ولم تفلح الكتب في عدهم، علمًا أن ما يثير الناظر في كتب التواريخ والسير، أن التسابق على الشهادة عند المسلمين كان سمة بارزة في أئمة المسلمين وساداتهم وأشرافهم، ومن قرأ ما صح من سير عظام شهداء المسلمين مثل أمراء المؤمنين عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، واطلع على سيرهم وأخبار استشهادهم، وما لأبي بكر الصديق رضي الله عنه قبلهم من مقامات عظيمة قامها لله في حروب الردة وغيرها، علم ذلك وفهمه، لذا فحق لأهل الإسلام أن يفخروا بأئمتهم وشهدائهم، وأن يتذاكروا ما صح من فضائلهم وسيرهم وأخبارهم، وأن يعلموها أبناءهم.
وكتابنا هذا عن الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما هو في ذكر أيام إمام من أئمة المسلمين وشهدائهم ما جاء بعده مثله في الفضل والشرف والثبات على الحق، قام على الظلمة لله، فاستشهد على يد عصابة ظالمة، فازداد توهجًا في سماء الفضائل، فصار مذهبه بالصدع بالحق، والثبات عليه، منارًا يهتدي به العالمون، وشعارًا يقتدي به الصابرون، إلا أن ما روي من أخبار الإمام الحسين رضي الله عنه في كتب التاريخ المسندة يحتاج إلى تمييز صحيحه من سقيمه، لذا رأيت أن أجمع ما صح من أخبار الإمام الحسين رضي الله عنه وأيامه، فذكرت في هذا الكتاب ما ثبت من أخباره وقيامه رضي الله عنه على الظلمة، وثباته على الحق، وتفاصيل انتقاله من المدينة النبوية، مرورًا بمكة، ثم إلى العراق؛ حيث قتل ونال الشهادة، وذكرت مع هذه الأخبار نقولات لعلماء أهل السنة، تبين مواقفهم وأقوالهم وأحكامهم فيما جرى من أحداث؛ لتمييز أقوال أهل السنة عن أقوال أهل البدع،كما نبهت على بعض الأخبار المكذوبة التي نسجها أهل الكذب لتشويه أمجاد المسلمين، والطعن في أئمتهم وتراثهم، هذا وأسأل الله عز وجل التوفيق والسداد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
—————————-
(١) سورة آل عمران، الآية 169، 170.
(٢) صحيح البخاري جزء 1، صفحة 22.