د. محمد مأمون ليله
يظل أهل التصوف أصحاب الخبرة الطويلة في التربية الروحية، ومعالجة النفوس البشرية، والتحقق بالصفات الكمالية، والدخول في الطرق التي توصل إلى الحضرة الإلهية، فهدم التصوف كاملا ليس من العقل ولا من الحكمة أبدا، بل نصلح فيه ما خرب، ونقوم منه ما اعوجّ!
وقد تمنى الشيخ محمد عبده أن يتبنى عشرة من طلبة العلم في الأزهر، ويربيهم تربية صوفية حقيقية مع إكمال تعليمهم؛ ليقودوا الأمة بعدُ علما وعملا، وتحققا وخلقا، ولو تم له هذا الأمر لكان أعظم أعماله فائدة كما قال الشيخ محمد رشيد رضا.
– ويبقى أنه من الممكن أن يجمع الشخص بين علوم الشرع وعلوم التصوف كما كان الشيخ عبد القادر الجيلاني، شريطة أن يفرق بين علوم الشرع التي تبني على الأدلة، والمقدمات والنتائج، وبين علوم الصوفية التي يحصل بعضها بالكشف والإلهام، وأن لا ينشر كل ما في جعبته أمام العوام، فيميز بين خواص طلبته فله أن يتكلم معهم بما يراه كشفا، ولكن يخاطب الأمة بما يفهمونه ويعلمونه، حفاظا عليه وعليهم؛ فيكون صوفيته لنفسه ولمن أراد، وعلمه للأمة ينشره متى شاء.
– وينبغي أن يدرك عوام المتصوفة أن الميزان هو الكتاب والسنة، وليس من مشى على الماء، أو طار في الهواء، فيكون تعلقهم الحقيقي بالله تعالى، وأن يُعلّموا أن كل مؤمن تقي فهو لله ولي، وليس من شرط الولاية ظهور الكرامات، أو المشي على الماء، ولكن حقيقتها دوام الاستقامة، والمراقبة وحسن الطاعة، وأن ظهور الخوارق قد يكون استدراجا، أو فتنة وابتلاء.