وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كوندوليزا رايس، قد تبنت مفهوم “الفوضى الخلاقة”، وأوضحت لصحيفة “واشنطن بوست” عام 2005 كيفية انتقال الدول العربية والإسلامية من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، معلنة أنّ الولايات المتحدة ستلجأ إلى نشر الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط، في سبيل إشاعة الديمقراطية. “الفوضى الخلاقة” نظرية ترى أن وصول المجتمع إلى أقصى درجات الفوضى متمثلة بالعنف والرعب والدم، يخلق إمكانية إعادة بنائه بهوية جديدة.
ونجد قطر التي تعتبر نفسها صاحبة أكبر ثروة ، تجد نفسها أحق بالدور الريادي للمنطقة العربية من الدول الأكبر حجما والأهم من الناحية الجيو استراتيجية ، وهي لهذا تريد منافسة الدول الأكبر ، ولو على حساب وحدة شعوب المنطقة، وعلى حساب سلمها الأهلي ووحدة مجتمعاتها ، لذا فهي تنظر بعين الحسد إلى الدول الأكبر ودورها في كل القضايا التي تهم المنطقة ، وعلى رأسها طبعا ،ما اعتاد العرب على اعتباره قضيتهم المركزية.
ولا يمكن فهم التغيير السياسي في قطر إلا في ضوء إدراك الموقع الذي اختاره النظام القطري لنفسه في المعادلة الأمنية الكبرى للشرق الأوسط منذ انقلاب الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على والده خليفة بن حمد آل ثاني في27 يونيو 1995. إذ خطط الشيخ حمد والعصبة التي اشتركت معه في هذا الانقلاب، وباتت تمثل النخبة الجديدة في بيت الحكم القطري توجها يقوم على منطق الوكالة لخدمة أهداف الولايات المتحدة الإقليمية في المنطقة، بعدّ مظلة الحماية الأمريكية هي الملاذ الأساسي لتفادي ما بدا معارضة خليجية، تحولت إمارة قطر إلى ما يمكن أن يشبه مقرا متقدما لإدارة المصالح الأمريكية الخفية وغير المعلنة، بل والتي قد تبدو متعارضة أو حتى متناقضة في المنطقة. واقتربت قطر سريعا من إسرائيل، بقدر ما عززت علاقاتها مع حركة حماس، ذات التوجه الإسلامي الرافض لأي تسوية سياسية مع الدولة الصهيونية.
وباتت قاعدة السيلية في قطر المقر المتقدم للقيادة الوسطى الأمريكية منذ عام 2002 ، فيما تم نقل مركز العمليات الجوية القتالية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط من قاعدة الأمير سلطان الجوية في المملكة العربية السعودية إلى قاعدة العديد الجوية في قطر جنوب الدوحة في عام 2003. وفي المقابل، سمحت قطر بافتتاح مكتب لحركة طالبان الأفغانية في الدوحة في يونيو من عام 2013، بالرغم من أن هذه الحركة هي الهدف الرئيسي للغزو الأمريكي لأفغانستان في عام 2001. وأضحت قطر مركزا رئيسيا للمفاوضات السرية بين طالبان والحكومة الأفغانية في محاولة لإيجاد مخرج آمن للولايات المتحدة الأمريكية. استضافة قطر العديد من المعارضين العرب، الذين تم توظيفهم لاحقا لاستهداف أنظمة الحكم في دولهم بقدر السعي الأمريكي لإحداث تغيير سياسي في تلك الدول. ولعبت الأداة الإعلامية القطرية، متمثلة بالأساس في قناة الجزيرة، دورا متقدما ورئيسيا في إثارة موجة الاحتجاجات العربية التي انطلقت في عدد من الدول العربية منذ نهاية عام 2010 وتعظيمها، بل والدفع باتجاه تعزيز موقع تيار الإسلام السياسي، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، في خضم حركة التغيير السياسي التي أعقبت تلك الاحتجاجات. وبالقدر ذاته، لعب المال القطري دورا رئيسيا في دعم العنف الإسلامي المسلح، حين لم ينجح فرض تيارات الإسلام السياسي على حركة التغيير السياسي في الدول العربية. نجح النظام القطري الحاكم بالفعل من خلال دور “الوكيل” في ضمان غطاء حماية أمريكي، سياسيا وعسكريا، في آن واحد،
وأضحى أي تغيير سياسي محتمل في قطر رهنا بقرار أمريكي برفع هذا الغطاء من عدمه. لذا، يبدو أن مآل كل الإجراءات التي اتخذتها الدول العربية التي اتخذت مسار التصعيد مع قطر رهن بهذا القرار الأمريكي.