بقلم :جمال القرشاوى
الطبيعة الساحرة مع النيل والنخيل ترسم لوحة بديعة الإتقان ونشعر تلامس أطراف النخيل مع النيل في عناق طبيعي منذ قديم الزمان ويرسل النيل همسات ونسمات تحرك المشاعر بحب وحنان ونتوه بين أعماقها والبحث عن الذات ونرسم بين السطور حكاية حدوته رواية قصة من قلب الزمان ونعيش معها بشغف جميل وعظيم الامتنان .
( كلتومة ) فتاة نوبية تعيش في بيت جدها ( عثمان همد ) الرجل الذي يبلغ من العمر 65 ربيعاً عاش حياته مثل كل النوبيين مزارع مع والده ( همد) وبعد وفاة والده شد الرحال إلي القاهرة وعمل طباخ في أحد قصور الباشوات ظل يعمل حتي أصاب بمرض المفاصل ولم يعد يستطيع الوقوف كثيراً ، أنجب 3 أولاد وبنتان الأولاد ( علي – صالح – محمود ) البنات ( ظريفة – نبوية ) الأبن ( علي ) يعشق النيل ولا يستطيع البعد عنه عمل مراكبي ينقل الناس والبضائع بين القري المجاورة لقريته ، أشتهر بين الناس ( الريس علي ) متزوج من بنت خاله ( جمعة ) لم ينجب ، الأبن ( صالح ) يعمل في مهنة صناعة السواقي والأبواب والعنقريب السرير النوبي يتنقل بين القري النوبية أماكن المشروعات الكبيرة مثل ( الدكة – عنيبة – توشكي )لكثرة فرص العمل النجارة والسواقي خصوصاً في تلك المناطق متزوج من بنت عمه (محمود) لديه ولد اسمه ( ياسين ) ، الأبن ( محمود ) الأصغر يعمل طباخ مكان والده عباس في فصر الباشا يأتي للقرية كل سنة أو اقل حسب سفر الباشا خارج مصر غير متزوج أما البنات ( ظريفة ) متزوجة وهي أم (كلتومة ) (نبوية ) متزوجة ولم تنجب حتي الأن .
تعتبر ( كلتومة ) الحفيدة الأولي في أسرة الجد ( عباس ) مدللة عند جدها وجدتها ( سكينة ) لديها مكانة عالية لدي الجميع وتعامل بطريقة خاصة بعد وفاة أبوها بمرض فتاك قتل الكثير من أبناء النوبة في ذلك الوقت مرض غريب وغامض لم يعرف له علاج وطرق وقاية كان والد ( كلتومة ) (حسن دوش ) تعني حسن الدرويش أو المجذوب الاسم المعروف به ، كان ينظف مسجد القرية وعاشق الموالد الدينية في القري النوبية يملك الطيبة والقلب الكبير والابتسامة العريضة قليل الكلام وكثير الذكر والتسبيح كثير البكاء رجل مبروك ، لذا أطلق عليه الناس ( صالح دوش ) كل أهل القرية تتسابق في طلب الدعاء لهم لأنه مستجاب الدعوة يرحمه الله ويغفر له أنجب
( كلتومة ) الرقيقة المشاعر المحبة لكل أهلها في وجها نور تساعد جدتها في أعمال البيت وكلمتها مسموعة للجميع من الجد والجدة برغم وجود أمها (ظريفة ) في البيت تعلمت من جدتها أمور الحياة والطبخ برغم عمرها 12 عاماً وعرفت صناعة عمل الطواقي والحصير (البرش ) من جريد النخيل لها خاصية جميلة في تنسيق الألوان والزينة برغم عدم معرفتها القراءة والكتابة هي وكل أبناء جيلها السابق والحالي لعدم وجود مدارس تعليم البنات في كل النوبة وحاول الجد ( عباس ) حث الناس وكل أهل النجع في فتح فصل تعليم البنات وعاني من الرفض الدائم من الأهالي مما شغل بال الجد ( عباس ) لإيجاد طريقة تقنع اهل النجع بذلك وكان الرفض سيد العنوان في كل محاولة وظل يمارس طريقة تحفيظ القرآن ( لكلتومة ) والانتهاء من السور العشرة القصار التي يحفظها الجد وشعر بنوع من السعادة والفخر بعد حفظ ( كلتومة ) للسور وعلمها شيء مستحيل وظلت الكتابة والقراءة العائق بالنسبة له فعقد النية لحل المشكلة مهما كانت الأمور ، وجاء ولده ( محمود ) الذي يعمل بالقاهرة وزيارة أهله وعرض الجد علي ولده ضرورة السفر إلي القاهرة والعلاج بشرط إيجار شقة له خلال فترة الإقامة واقتراح عليهم سفر ( كلتومة ) معه ومساعدته خلال فترة العلاج بعد رجوع ( محمود ) بأسبوعين وصلت رسالة منه تقول (منتظر حضورك عن قريب الشقة جاهزة ) جمع الجد (عباس ) أغراضه مع أغراض ( كلتومة ) وتحرك بالباخرة البوسطة حتي الشلال ومنها بالقطار حتي القاهرة ووصل وكان الأبن (محمود) في انتظاره وذهب إلي الشقة وجلب لهم مواد غذائية تكفي مدة اسبوع خوفاً من عدم الحضور لهم كل عدة أيام حسب طبيعة عمله والجد يعرف ظروف العمل هنا قال يا ( محمود ) توكل علي الله وبارك الله فيك أنا أعرف كل الأماكن جيداً ، في صباح اليوم الثاني خرج الجد (عثمان ) و(كلتومة ) لزيارة أصدقاءه والسلام عليهم وكانت فرصة حتي تعرف (كلتومة ) الحياة بالقاهرة المختلفة عن القرية ،طلب من صديق عزيز له مساعدته في تعليم ( كلتومة ) القراءة والكتابة وحفظ سور من القرآن قال له صديقه أنتظر للغد وسوف أجد حل بأذن الله وفي الصباح الباكر جاء صديقه يحمل البشر له والوصول لحل رائع للتعليم من خلال جارته التي تسكن في الشقة المقابلة له بشرط الحضور إلي شقة صديقه وجهز الصديق غرفة للدراسة وجلوس الجارة وزوجته مع (كلتومة) وهو يجلس مع الجد (عباس) في غرفة أخري من الساعة الثامنة صباحاً حتي الحادية عشر صباحاً كل يوم ما عدا الجمعة وكان الوقت مهم للجد ( عباس ) حتي لا يعرف أحد ماذا يعمل ويفكر فيه حتي أبنه ( محمود) يأتي لهم في المساء كل 4 أيام تقريباً أستمر الحال ومر الشهر الاول وكانت ( كلتومة ) تعلمت كل الحروف وكتابتها بسرعة ورغبة غير عادية في الفهم والإدراك والوعي والقدرة علي هضم المعلومات ومر الشهر الثاني وحفظت الجزء الأخير من القرآن بالكامل والشهر الثالث أصحبت فوق الممتازة في القراءة والكتابة ومع كل صلاة يدعو الجد لها بالتوفيق والنجاح حتي شعر أنها قادرة علي فهم أي شيء وقرر الرجوع إلي القرية وطلب من أبنه إرسال مجلات وكتب صغيرة كل فترة عن طريق الباخرة البوسطة ، عاد الجد بشموخ وفخر وسعادة كبيرة وطلب من أهل النجع تعليم البنات والموقف لم يتغير كيف نعلم البنات ولا يوجد فتاة تعلم البنات القراءة والكتابة قال لهم هل سيوافق الجميع في حالة إيجاد فتاة تعلم البنات قالوا نعم لعلمهم التام بعدم وجود مدرسة نوبية في كل قري النوبة رد الجد أعطوني مهلة يومين وسوف أجد ما يرضيكم ، رجع الجد للبيت وتحدث مع ( كلتومة ) عن فكرة تعليم البنات القراءة والكتابة وقال عندي حل ردت بسرعة ما هو ( أنو دوول ) يعني يا جدي الكبير عندنا المضيفة الخارجية مجهزة ومفروشة بالكامل وما عليك إلا تعليم بنات النجع القراءة والكتابة جرجت ورمت نفسها في حضن جدها بقوة شديدة وجلست تقبله وتدعو له بطول العمر والصحة والعافية ولم يتمالك الجد نفسه وسقطت الدموع فرحاً وسعادة من مشاعر ( كلتومة ) له وطلب منها عدم الحديث عن هذا الموضوع حتي يكتمل ، بعد المهلة جلس الجد مع النجع وطلب منهم الحضور لديه عصر اليوم في المضيفة للأهمية وتجمع الأهالي وقال يا جماعة النجع وجدت حل وصمت الجميع ونادي ( كلتومة ) وطلب منها قراءة سور القرآن وظلت تقرأ سورة تلو الأخرى حتي انتهت من الجزء وقال ما رأيكم يا أهل النجع قالوا ما شاء الله ربنا يحفظها فقال الظاهر الفكرة لم تصلكم هنا وقف الأستاذ صالحين ناظر مدرسة ابتدائية في قرية مجاورة وطلب من الجميع الوقوف والأنحاء أمام العم ( عباس ) وفهم ما يقصده من حديث ودليل وبرهان وقال يا أهلي النجع المكان موجود عند عمنا ( عباس ) والتي تعلم البنات ( كلتومة ) التي سوف تعلم الحروف للبنات في المرحلة الأولي وقال في الغد يسعدني إرسال كرتونة كراسات وأقلام ليتعلم الجميع هنا وبعد سنوات نجح الجد ( عثمان ) في تحقيق حلمه ونشر التعليم بين البنات وكانت اللبنة الأولي وذاع صدها في كل القري النوبية ونجح البنات في فك أسرار الحروف والكتابة بعزيمة رجل كبير ظل يقاوم الاستسلام وحقق للفتاة النوبية حرمان قرون من الزمان من الرفض والعناد وتحقيق الذات لدي كل النساء .
ختاماً وليس أخر نلتقي مع حدوته أخري عن قريب بأذن الله تعالي .
رحال النوبة جمال القرشاوي
بلاد النوبة أوطاني والتاريخ عنواني والحضارة أسمي وميلادي