بقلم / ميادة عبدالعال
التنوير مجموعة من الأفكار أكثر من كونها مجموعة من القيم. وكانت في جوهرها تطرح تساؤلات حرجة للمؤسسات التقليدية، العادات، والأخلاق. وبالتالي كان لايزال هناك قدر من التشابه بينها وبين فلسفات أخرى منافسة.والعقل هو القوة التي تمكِّن الناس من رؤية الحقائق، بنفس الوضوح الذي يمكنهم به رؤية يد أمام أعينهم بالإدراك البصري. غير أن الإدراك البصري ينتج فقط حقائق خاصة أو مشروطة؛ فالعقل فقط هو الذي ينتج الحقائق الضرورية أو الكلية. فإن دافع ترقية المعرفة يفسِّر دواعي بذل جهود كبيرة في تصنيف وتوزيع نتائج البحث العلمي لتلك الحقبة. وقد قام علماء عديدون بجمع وتصنيف تلك المعرفة، ثم نشرها. وفي الواقع، فإنه يمكن إطلاق تسمية عصر الاصلاح والتنوير.
لم يعد الإصلاح الديني ومواجهة التيارات المتطرفة مجرد مطلبا، في وقت تثير فيه الأخيرة الفوضى، وتنتهك الحرمات، وتسيل الدماء التي عصمها الشرع وبأي طريقة كنا نفكر سواء كنا مثاليين أو ماديين، دون المساس بل الثوابت , فواقع بعض أفكارنا الدينية لا يبعث إلا على الخراب والكراهية، وواقعنا المادي يدفع إلى نفس الفعل. لذلك السؤال الذي لطالما نهرب من الإجابة عليه، هو: من أين جاء الدواعش؟، فنحن دائما نعلق المشكلة على الآخر وخصوم المنطقة العربية؛ بينما في الحقيقة حتى لو أنهم ساهموا في تشكيل داعش، إلا أن بنية هذا الفكر ومواد بناءه تشكلت من ثقافتنا وتكويننا، ومن يقتلنا ويدمر حضارتنا هم أبناؤنا لا أبناء الغرب.
مسئولية الأزهر التجارب تثبت أن المؤسسة الدينية الرسمية إن لم تسارع خطواتها تجاه الإصلاح بشكل أبعد من فكرة الترميم، فلتستعد لفكرة الثورة عليها أو خروج الأمر من يديها، فليس من المعقول أن تتحدث مؤسسة الأزهر الشريف عن الإصلاح الديني، وهناك من يفسد هذه الدعوة؛ باستمرار اعتلاء أصحاب الفكر المتطرف منابر الخطابة، والواقع الفعلي يثبت صحة ذلك وإن خرجت التصريحات تؤكد على سيطرة الرقابة على هذه المسألة. ففي الوقت الذي تبارك فيه رموز الإرهاب القتلَ والإجرام صراحة، كما ظهر فيما سمي “نداء الكنانة”، أصبح من الواجب الملح على الأزهر الشريف فضح هؤلاء وتفنيد انحرافهم العقدي والسلوكي، وليس الدخول في صراعات جانبية حول جنس الملائكة، وملاحقة بعض المفكرين، أو الدخول في نزاعات مذهبية بغيضة في وقت حساس.
فلطالما كان الأزهر من دعاة الاسلام الوسطي والوحدة الإسلامية، وهو تاريخيا ضد التطرف والعنف والتكفير، وينبغي له الاستجابة لدعوة الرئيس السيسي الإصلاحية، ففيها إنقاذ للوطن والدين. والأزهر سلاحه الفكر والكلمة، وهو ما يجب أن يستخدمه ضد التكفيريين، ونظرًا لموقعه ودوره التاريخي الريادي، يجب أن يقود مواقف علماء الأمة من كل البلدان والمذاهب في هذه المهمة العظمى، التي سيسأل الجميع عنها أمام الله تعالى. المعركة ليست مع الأزهر، بل يجب هو من يقود معركة الإصلاح وليس أن يتركها لشخصيات ليست أهلًا لها، كما يظهر لنا كل يوم من مناوشات مع شخصيات تستغل مسألة الإصلاح سلاحًا لهدف الهدم وليس البناء