بقلم المهندس/ طارق بدراوى
** المسجد العمرى بقوص **
يقع هذا المسجد بمدينة قوص إحدى مدن صعيد مصر والتي تقع على الساحل الشرقي من نهر النيل جنوب القاهرة بحوالي 650 كيلومتر وتبعد عن مدينة قنا في إتجاه الجنوب بحوالي 35 كيلومتر في منتصف المسافة تقريبا بين مدينتي قنا والأقصر وهي تتبع محافظة قنا والتي تزخر بالعديد من الآثار المعمارية الإسلامية تنتشر في مدنها المختلفة حيث تشتهر بمجموعة رائعة من المساجد والمآذن التاريخية التي تعد نموذجا للعمارة الإسلامية وفنونها بجانب تفردها بعدد من المساجد العتيقة في حالة معمارية وفنية جيدة ويطلق على تلك المساجد التاريخية بمحافظة قنا المساجد العمرية نسبة إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أصدر أوامره بإنشاء المساجد الجامعة في البلاد وعدم إقتصارها على المدن الكبيرة والأمصار ويأتي في مقدمة الآثار الإسلامية والمساجد العتيقة في محافظة قنا مسجد من أكبر المساجد الأثرية بصعيد مصر وهو المسجد العمري العتيق بمدينة قوص ويمثل هذا المسجد حسب قول الباحثة المصرية الدكتورة خديجة فيصل مهدي قيمة دينية وأثرية وتاريخية كبيرة حيث يعد أقدم مسجد بالمدينة لذا يطلق عليه المسجد العتيق وهو أكبرها مساحة حيث تبلغ مساحته أربعة آلاف متر مربع ويتسع لأكثر من ثلاثة آلاف مصل ويعد أيضا من أندر المساجد الأثرية المعلقة حيث ترتفع واجهته الأمامية ثلاثة أمتار عن الأرض بينما يصل إرتفاع خلفيته إلى أربعة أمتار لذا إستخدم المسجد في بعض الأغراض الحربية لوقوعه على ربوات عالية جعلت منه مكانا للإستطلاع والإستكشاف بجانب كونه مكانا للعبادة تؤدى فيه الصلوات أى أنه كان للمسجد إستخدامات دينية وحربية في نفس الوقت لنصرة الإسلام .
وتشير الباحثة الدكتورة خديجة مهدي إلى أن آراء المؤرخين تتباين بشأن تاريخ إنشاء هذا المسجد فمنها ما يؤكد أن تاريخه يعود إلى الفتح الإسلامي وهذا هو سبب تسميته بالمسجد العمري نسبة إلى عمرو بن العاص بينما الآراء الأخرى وهي الراجحة تحدد هذا التاريخ بعام 550 هجرية الموافق عام 1155م وتقول إن بانيه هو الصالح طلائع بن رزيك الذى كان وزيرا للخليفة الفاطمي الفائز ثم الخليفة العاضد حين كان واليا على قوص في العهد الفاطمي وفي عام 1233 هجرية الموافق عام 1818م في عهد محمد علي باشا قام الأمير محمد بك قهوجي كاشف أى محافظ قوص بعمل ترميمات وتجديدات في إيوان القبلة أفقدت المسجد الكثير من سماته ومعالمه الأصيلة وقد أثبت الأمير عمارته للمسجد في ثلاثة مواضع أحدها في صحن الجامع والثاني على باب الميضاة أما الثالث فعلى المدخل الرئيسي للمسجد وقد تم غلق المسجد مابين عام 1970م وعام 1977م في عهد الرئيس الراحل أنور السادات حيث أجريت في هذه الفترة أعمال تجديد وترميم له تشمل مشروع ترميمي ومعماري دقيق ومتكامل أحدثت تغييرا كبيرا في المسجد حيث تم إزالة الكثير من الأعمدة القديمة المصنوعة من الطوب اللبن ولم يتبق منها غير القليل جدا وتم إفتتاحه مرة اخرى أمام المصلين والزوار بعد الإنتهاء من هذه العملية كما أنه في أول عهد اللواء عادل لبيب محافظ قنا الأسبق في بدايات القرن الحادى والعشرين الحالي تمت بعض أعمال التعديلات والترميمات والإصلاحات في واجهة المسجد ومؤخرا تم فرش المسجد بمساحة 200 متر مسطح من السجاد الفاخر حيث أن هذا المسجد يعتبر من أكمل المساجد العمرية الباقية بكافة عناصرها المعمارية كما أنه أقدم مدرسة في صعيد مصر من حيث تحصيل العلوم والمعرفة وهو السبب في أن أطلق عليه أزهر الصعيد خاصة وأن المسجد يشبه بالفعل هيكل الجامع الأزهر في بنائه .
وترى الدكتور خديجة في دراسة لها عن تاريخ المعالم الاسلامية بصعيد مصر أن أهم روائع الفن الإسلامي في هذا المسجد المحراب المحصي الذي يقع في منتصف البائكة الثالثة في إيوان القبلة ويعود تاريخه إلى العصر المملوكي وقد زخرفت واجهته بزخارف جصية قوامها وحدات نباتية وهندسية بديعة التكوين تشبه زخارف زاوية زين الدين يوسف بالقاهرة وكذلك المحراب المملوكي في جامع عمرو بن العاص وتحيط به كتابة بالخط الثلث المملوكي نصها إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر كما كتب حول قبة الممرات قوله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ويزينه عمودان لهما تيجان كما زينت جوانبه بحشوات من الخشب تتخذ أشكالا هندسية من مثلثات ومخمسات ومسدسات ومثمنات تم تعشيقها مع بعضها البعض وكتبت على واجهته آية الكرسي ويطلق عليه أيضا المحراب المحصى لأن واجهته تمت زخرفتها بالحصى البنائية والهندسية وفى نهاية واجهة القبلة توجد مقصورة من الخشب الخرط على جانب عظيم من الأهمية فالجانب الشرقي من المقصورة باق على صورته الأولى ويتكون من حشوات بها زخارف محفورة حفرا عميقا وكذا الجانب الغربي وكذا باب المقصورة مكون من حشوات سداسية الشكل يحيط بها من أعلى وأسفل أشرطة من خشب الخرط الذي إنتشر إستعماله في العصر المملوكي وداخل هذه المقصورة يوجد كرسي مصحف مصنوع من الخشب المصنوع بطريق الحشوات المجمعة والمطعم بالعاج والصدف ويحيط بالكرسي شريط من الكتابة بالخط النسخ المملوكي وهي آية الكرسي والنص الآتي أمر بإنشاء هذا المصحف المبارك المقر الكريم العالي المولى الأميري الأجلى عز الدين خليل المالكي الناصري أعز الله أنصاره بمحمد وآله ومن المرجح أن يكون منشئ الكرسي والمقصورة هو منشئ المحراب المملوكي بإيوان القبلة أي أنها جميعها ترجع إلى أوائل القرن الثامن الهجري ويوجد أمام المحراب المملوكي عمود من الرخام تعلو تاجه طبلية خشبية عليها نصان من الكتابة الكوفية نقلت إلى متحف الفن الاسلامى بميدان باب الخلق بالقاهرة تحت رقم 3100 وقام بتحقيقهما وقراءتهما المستشرق الفرنسي جاستون فيت فوجد أن الكتابة تحتوى على تاريخ سنة 473 هجرية كما عثر على إسم سعد الدولة سارتكين الذى كان قائدا للجيوش الفاطمية في ولاية قوص ولتلك الأسباب رجح نفر آخر من المؤرخين رأيا آخر غير الرايين السابقين وهو أن منشئ هذا الجامع هو بدر الدين الجمالي أمير الجيوش الفاطمية في عهد الخليفة المستنصر بالله عام 373 هجرية وذلك على يدي سعد الدولة سارتكين قائد جيوش ولاية قوص وأنه بعد ذلك فى عام 550 هجرية أمر الصالح طلائع بن رزيك بصنع منبر المسجد .
ومن الأجزاء المهمة بهذا المسجد أيضا القبة الموجودة في الركن الشمالي الشرقي وقد شيدت في عصر مبارك بن كامل بن مقلد بن علي بن نصر عام 568 هجرية الموافق عام 1173م كما هو مثبت في اللوح الرخامي في نهاية الجدار الشرقي للمسجد والذي عليه كتابة نصها بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين أمر بتجديد هذا الجامع المبارك العبد الفقير إلى رحمة الله مبارك بن كامل بن مقلد بن على بن نصر بن منقذ الناصري الفخري في شهور سنة ثمان وستين وخمسمائة وهذه القبة منفصلة عن المسجد ويتم الوصول إليها من دورة المياه وتقوم القبة على أربعة عقود يعلوها في الأركان صف من المقرنصات مما حول المربع إلى مثمن أقيمت فوقه القبة أما من الخارج فالقبة مضلعة ويتخلل الأضلاع فتحات على شكل نجمة سداسية ويحتوي المسجد أيضاعلى لوح تذكاري آخر مثبت على باب الميضاة نقش في وسطه شكل مشكاة ثم كتب تحته إسم المقرئ الشيخ الصالح جمال الدين محمد الناجي وتاريخ وفاته عام717 هجرية ومن التحف الأثرية الموجودة داخل المسجد أيضا المنبر الخشبي وهو على جانب كبير من الأهمية لأنه من أقدم منابر مصر الإسلامية المؤرخة وتحفه من التحف الفاطمية وقد عمل هذا المنبر على يد الصالح طلائع عام 550 هجرية الموافق عام 1155م وهو يتكون من لوحتين وصدر من خشب الساج الهندي المحفور حفرا بارزا والمزخرف بالحشوات المجمعة المعشقة التي بدأت تظهر في القرن السادس الهجري أي في أواخر العصر الفاطمي تلك الحشوات عليها زخارف المراوح النخيلية وعناقيد العنب وعليه نص قرآني .