حين انتفض أبناء مصر في ثورة 25 يناير، لم تكن انتفاضتهم ضد أفراد لشخوصهم، ولكن ضد النظام الظالم الذي يمثلونه، والفساد الذي أفرزه، والظلم الذي أكتوى به الشعب، ولبرهة ظننا أن نظام مبارك ولى، ولن تقوم له قائمة، إلا أننا كنا حالمين، فقد تغيرت الوجوه والأسماء، وبقيت السياسات ذاتها تستنزف الشعب الصابر وتجوعه، وفشل المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير طنطاوي في قطع دابر الفساد، ثم تولى الرئيس المعزول محمد مرسي الحكم، لنفاجأ بتغول “الأهل والعشيرة”، وحلول أزلامهم من رجال الأعمال الأخوان محل رجال أعمال عهد مبارك، فكان خروجنا في 30 يونية محاولة لإنقاذ روح 25 يناير، يومها أبلغتنا بزهدك في السلطة، وأن حلمك أن تعود مصر قوية، وتحقق ثورتها الأمل المنشود في العدالة الاجتماعية بمساندة قواتها المسلحة، وألتف حولك البسطاء فرحين مستبشرين، يفوضونك ويطالبونك بالترشح لرئاسة الجمهورية، وترشحت .. وللحق ساورتني بعض الهواجس فلم انتخبك، ولم يحل ذلك دون أن أتمنى نجاحك في قيادة مصر إلى المستقبل، وتحقيق حلم الشعب في حياة كريمة.
وبمرور الأيام والشهور تحقق ما كنت أخشاه، إذ استبدلت بالأهل والعشيرة الإخوانية، أهلاً وعشيرة أشد تغولاً وأكثر طمعًا، وبدأت الصورة تتضح للعيان، امتيازات مادية لفئات معينة دون غيرها تصرف بلا حساب، وتلغي العدالة الاجتماعية وتقسم المواطنين إلى سادة وعبيد، وحكومة تعيش بذخًا غير محدود في نفقاتها، في وقت تطالب آكلي العيش الحاف والفول من بسطاء الشعب بالتقشف، وتضيق عليهم رزقهم بطرق مبتكرة لجباية ضرائب من كل نوع، تخنق البسطاء المخنوقين أصلاً بنار الغلاء، بحجة سد العجز في الميزانية، وكأن عجز الميزانية لن تسده سوى ملاليم الشعب المطحون، أما مليارات رجال الأعمال المتكسبين من شقاء الشعب، وإسراف الحكومة في الإنفاق غير الضروري، فالإقتراب منها أو حتى مناقشتها، أمر محظور وخط أحمر لا يمكن تجاوزه، ونتيجة هذه السياسات الخاطئة، عشنا فسادًا بالمليارات، وصرنا في وطن “لا أسس التجارة فيه قرت ولا ركن الصناعة فيه قاما”.
ياريس أسف إن قلت أن كلامك عن مصر 2030م، لم يعد يبث فينا الأمل، فقد ماتت داخلنا الأحلام، قتلتها الضرائب والبطالة وذبحها الغلاء وفساد الكبار، ولم يعد الشعب يستسيغ غياب الشفافية ومبررات الحكومة الفاشلة التي فُرضت علينا، وضج من مجلس نواب فاق مجلس فتحي سرور في تملق الحكومة وإرهاب الشعب، بشكل مسف وصل إلى درجة أن صرخ أحد النواب مستنكرًا الغضب الشعبي من الغلاء، ومطالبًا أن نشكر الدولة على الأمن والأمان الذي هيأته لنا، بدلاً من الشكوى من الفقر المستشرى بين 95% من أبناء شعبك، مختصرًا حقوق الشعب في الأمن فقط، وكأنها لا تشمل حق العمل والمسكن والمأكل والملبس والعلاج مثل غيرنا من الشعوب؟!
فهل جئنا بك ياريس لتمنحنا الأمن والأمان مقابل الجوع والفقر والتشرد؟ هل هذا هو الثمن الذي تطالب البسطاء بدفعه؟ ولصالح من؟ من أجل أن يقيم وزير إقامة دائمة في سميراميس، أو يحتفل رجل أعمال بزواج نجله في فرح يتكلف 30 مليونًا؟ فيما بعض أبناء الشعب لا يملكون ثمن قرص الأسبرين!
لا تحدثنا عن حنانك وشفقتك على محدودي الدخل، فقد صار معظم الشعب من معدومي الدخل، لا نريد حنانك ولا نستسيغ منّ حكومتك علينا بالدعم الذي هو أصلاً من أموالنا، لكننا نريد عدالتك، فكما قال رسولنا الكريم “كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته”، وتلك رعيتك يا سيدي تتأوه وترفع أياديها لعدالة السماء، بعدما عجزت عن ايجاد العدالة في وطنها.
ياريس لا أشكك في وطنيتك، ولا في صدق نيتك وما تبذله من جهد، ولا يزال الأمل يحدوني أن تكون رئيسًا لكل المصريين، وليس للفئات المحظوظة التي ينفق أطفالها في اليوم الواحد، ما يعادل دخل عدة أسر مصرية في شهر، وحين أدعوك إلى نبذ حاشية السوء من الهتّافين والمطبلين، لأنها ما ألتفت حول رئيس إلا وأفسدت فترة رئاسته وكرّهت الشعب فيه، ويا ليتك تستطلع آراء شعبك بنفسك، فوسائل الإتصال الاجتماعي عامرة بالآراء المنتقدة لسياسات الحكومة، والقرارات الخاطئة التي يقدمها مستشاروك لتوقعها، وفي مقدمتها القروض التي ستقتل طموحات الأجيال المقبلة وتسلخ مستقبلها.
ياريس لا يزال الشعب يأمل فيك خيرًا، فلا تقطع “شعرة معاوية” التي لا تزال تربطك به، وتأكد أن الشعب سيلتف حولك، طالما سعيت إلى الإصلاح بعيدًا عن شلل التطبيل، التي تفوقت على نفسها في ممارسة الدجل السياسي.
ياريس الخطأ ليس عيبًا، لكن التمسك به هو العيب، ولعلك تعالج هذه النقاط العشرة، والتي لا يختلف على ضرورتها مصريان:
1- حل برلمان غير المعبر عن الشعب، وإقالة الوزارة التي لا تملك رؤية ولا خطة أو حتى عمل ممنهج لحل أصغر مشكلة.
2- المساواة في الرواتب والمعاشات والبدلات والإحالة للمعاش بين المصريين جميعًا، مع إعطاء العسكريين الذين لا يزالون في الخدمة بدل مخاطر، وإعادة تطبيق الحد الأقصى للدخل الذي أعلن في عهد مرسي، واستمر الأخذ به في عهد عدلي منصور.
3- الإفراج عن سجناء الرأي، وإصدار قانون الصحافة بالصيغة التي أقرتها نقابة الصحفيين، فالصحافة الحرة هي السبيل لتحقيق الشفافية وضرب منابع الفساد.
4- الضرب على أيادي الإرهابيين والمفسدين والمتاجرين بمستقبل الوطن بقوة.
5- إعدام كل من يثبت متاجرته بالمخدرات في حالة كون الضبط سابقته الثانية، والمؤبد لمن يتاجر في العملة الصعبة.
6- زيادة الضرائب على المليونيرات وإعفاء كل من يقل دخله عن 2000 جنيه شهريًا من الضرائب .
7- رفض المصالحة مع من يثبت كسبه غير المشروع ومصادرة كافة أمواله وممتلكاته.
8- إعادة تشغيل المصانع المتوقفة، ومنح الأراضي المستصلحة لمن يزرعها مقابل نسبة عادلة من محصولها.
9- حل مشكلة أطفال الشوارع بتجميعهم في معسكرات بالصحراء، وتعليمهم حرفًا منتجة مثلما فعل محمد علي باشا.
10-إلغاء قرار إنشاء عاصمة إدارية جديدة وتوجيه الأموال المخصصة لذلك، لإصلاح وضع الصناعة والزراعة والبحث العلمي والتعليم والصحة.
ياريس هذه خواطر مواطن مصري لا ينتمي لأشخاص أو أي تيار سياسي أوحزب، مواطن ينتمي إلى مصر وحدها، رأى أن واجب المواطنة يدعوه إلى تسجيلها عسى تبلغك، وتنقل إليك حقيقة نبض الشارع التي يخفيها المحيطون بك، فهل تصلك كلماتي؟!