عادل عامر
تجيز التشريعات الجنائية المعاصرة الصلح في بعض جرائم الأشخاص والأموال، وتهدف تلك التشريعات من تلك الإجازة، محاولة لتخطي أزمة العدالة الجنائية والتي نجمت عن ظاهرة التضخم العقابي نتاج الثورة المعلوماتية والتكنولوجية التي عمت القرية الكونية وقد بدا مصطلح الصلح بمثابة المنقذ في سماء التشريعات الجنائية المعاصرة.
وقد أدخل المشرع المصري تعديلاً تشريعياً عام 1998، حيث أصدر القانون رقم 174 لسنة 1998وأضاف المادة 18 مكرراً (أ) والتي أجازت الصلح بين الجاني والمجني عليه أو وكيله الخاص في طائفة من الجرائم التي تقع على الأشخاص، وأخرى تقع على الأموال. ويجمع بين هذه الجرائم طابع عدم الإخلال الجسيم بالمصلحة العامة، والضرر الأكبر ينصب على المجني عليه، كما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 174 لسنة 1998 أنه “من شأن هذا الحكم المستحدث أن يقطع سير كثير من إجراءات المحاكمة دون مساس بتوازن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين الأفراد، ما دام أن انقضاء الدعوى الجنائية معلق على إقرار المجني عليه بالصلح، الذي لا يتم غالبا إلا نتيجة إزالة أثر الجريمة أو الصفح بين ذوي الصلات الحميمة.
لذلك اعتمد مسودة قانون الاستثمار الجديد المقدم من الحكومة للبرلمان اعتمد مبدأ التصالح في الجرائم المالية فقد نص يجوز التصالح مع المستثمر في الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات التي ترتكب منه بصفته أو بشخصه أو التي اشترك في ارتكابها وذلك في نطاق المشروعات الاستثمارية الخاضعة لأحكام هذا القانون في مرحلة التحقيق أو في أية حالة تكون عليها الدعوى الجنائية قبل صدور الحكم البات فيها. أن أغلبية هذه القضايا تتعلق بمستثمرين، والاعتداء على أراضى الدولة، ومن خلال هذا التعديل، يمكن إيجاد حل حاسم للكثير من النزاعات القضائية، بحيث يكون أمام المتهم خيارات محددة إما إعادة الأراضي التي استولى عليها، أو يدفع ثمنها بسعر السوق، أو يتم تقديمه للمحاكمة، تجنبا لقضايا التحكيم الدولي التي تواجهها مصر في لندن ونيويورك، وعددها 6 قضايا وتبلغ قيمة التعويضات المطلوبة فيها نحو 16 مليار جنيه.
ومن ثم فإن هذا التعديل يهدف إلى تجنيب الدولة مليارات الجنيهات التي قد تدفعها إذا خسرت قضايا التعويضات. والتصالح في حد ذاته ليس اختراعا، فهناك قانون البنك المركزي الذي يجيز التصالح في قضايا البنوك، ومن يهاجم هذا التعديل لم يطلع على المذكرة التفسيرية الخاصة بالمادة المعدلة، والحكم على مادة من عدمه يكمن في التطبيق على أرض الواقع، ولا يشجع على الفساد كما يرى البعض.
إن المادة 18 مكرر (ب) ، تنص على أنه» يجوز التصالح في الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب، وأناني من قانون العقوبات، ويكون التصالح بموجب تسوية بمعرفة لجنة من الخبراء، يصدر بتشكيلها قرار من رئيس مجلس الوزراء، ويحرر محضر يوقعه أطرافه، ويعرض على مجلس الوزراء لاعتماده، ولا يكون التصالح نافذا إلا بهذا الاعتماد، ويعد اعتماد مجلس الوزراء توثيقا له وبدون رسوم، ويكون لمحضر التصالح في هذه الحالة قوة السند التنفيذي، ويتولى مجلس الوزراء إخطار النائب العام سواء كانت الدعوى مازالت قيد التحقيق أو المحاكمة، ويترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية محل التصالح بجميع أوصافها، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبات المحكوم بها على المتهمين في الواقعة، إذا تم الصلح قبل صيرورة الحكم باتا ، وكان المحكوم عليه محبوسا نفاذا لهذا الحكم، جاز له أو وكيله الخاص أن يتقدم إلى النائب العام بطلب لوقف التنفيذ مشفوعا بالمستندات المؤيدة له، ويرفع النائب العام الطلب إلى محكمة النقض مشفوعا بهذه المستندات، ومذكرة برأي النيابة العامة وذلك خلال 10 أيام من تاريخ تقديمه، ويعرض على إحدى الدوائر الجنائية بالمحكمة منعقدة في غرفة المشورة لنظره، لتأمر بقرار مسبب بوقف تنفيذ العقوبات نهائيا إذا تحقق من إتمام التصالح، واستيفائه جميع الشروط والإجراءات المنصوص عليها في هذه المادة، ويكون الفصل في الطلب في خلال 15 يوما من تاريخ عرضه، وبعد سماع أقوال النيابة العامة والمحكوم عليهم، وفى جميع الأحوال يمتد أثر التصالح إلى جميع المتهمين أو المحكوم عليهم، دون المساس بمسئوليتهم التأديبية، ويقدم طلب التصالح من المتهم أو المحكوم عليه أو وكيله الخاص، ويجوز للأخير اتخاذ كل الإجراءات المتعلقة بإعادة المحاكمة في غيبة المحكوم عليه في الأحكام الصادرة غيابيا.
وهذا التصالح جوازي وليس وحوبيا، بمعنى أنه من حق الدولة قبول التصالح، أو عدم قبوله، ومن ثم الاستمرار في الإجراءات القانونية المعتادة، كما أن النيابة العامة ليست ملزمة بقبول التصالح ، وإنما هو أمر جوازي ترى فيه السلطة العامة استخدام حق المواءمة والملائمة والصالح العام . أن يكون لمسايرة تقدم المجتمع وتحقيق تطلعاته، وتحقيق المصلحة العامة، ولابد أن يتفق التشريع مع الدستور،وأن يقيم توازنا بين حقوق القوى الاجتماعية في المجتمع.. وهنا نسأل: هل هذا التعديل يحقق ذلك؟.. الإجابة لا.. فالتصالح ليس عيبا في حد ذاته، وهو كفكرة المحكمة.ا من حيث المبدأ، لأن السجن لم يعد وسيلة ناجعة ، ولكن كان يجب النص على أن يرد الجاني أو شركاؤه ضعف أو ثلاثة أضعاف المبلغ المختلس وليس قيمة المبلغ المختلس نفسه كما هو الحال في النص الحالي، كما أنه لم يبين قيمة ما سيدفع المتهم وإنما تركه كسلطة تقديرية للجنة المختصة المخولة بالتصالح.
إجراءات الصلح الجنائي
أن يتم إثبات الصلح أمام النيابة العامة أو المحكمة .وسوف نفصل ذلك ترتيبا لما يلي: أولا:إثبات الصلح:
1- نص المشرع المصري في المادة 18 مكرر(أ)من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقانون 145لسنة 2006على أن طلب إثبات الصلح يكون من المجني علية أو وكيلة الخاص أو ورثته أو وكيلهم الخاص أو المتهم ووكيلة أ_إثبات الصلح من المجني علية أو ورثته: طلب إثبات الصلح في الجرائم المنصوص عليها يكون من المجني علية أو ورثته وذلك بصرف النظر عما إذا كان قد لحقه أو لحقهم ضرر من الجريمة من عدمه فإذا كان من لحقه ضرر من الجريمة غير المجني علية أو ورثته فلا يملك طلب إثبات الصلح ويكفى أن يصدر الصلح من المجني علية أو ورثته ولو لم يكن هناك إدعاء بالحقوق المدنية في الدعوى الجنائية إذ لم يشترط المشرع سوى أن يكون الصلح صادرا من المجني علية أو ورثته ولذلك يكون له الحق في الإقرار بالصلح في مرحلة التحقيق أمام النيابة العامة أو في مرحلة المحاكمة وذلك بالمثول أمام المحكمة وطلب إثبات الصلح مع المتهم رغم أن المجني علية لا يعد خصما في الدعوى الجنائية
2. للمجني علية أو ورثته إثبات الصلح مع المتهم في أي مرحلة كانت عليها الدعوى حتى بعد صدور حكم بات في الدعوى الجنائية ولا يشترط أن يقدم المجني علية أو الورثة تفاصيل الصلح الذي تم مع المتهم وبنوده ليتم إثباتها بالتحقيق أو بمحضر الجلسة وإنما الذي يشترط فقط إثبات الصلح مع المتهم
3. إن إثبات الصلح يكون بأي طريقة من طرق الإثبات فيجوز أن يكون بإقرار من المجني علية أو ورثته أو بإشهار موثق في الشهر العقاري وكل هذا رهن باطمئنان الجهة المختصة بصدور الصلح من المجني علية أو ورثته
4.:إثبات الصلح من الوكيل الخاص للمجني علية أو ورثته: أجاز المشرع إثبات الصلح وفقا للمادة 18مكرر(أ) من المجني علية أو ورثته فإذا قدم الصلح من غير المجني علية أو الورثة فيجب أن يكون هناك توكيل خاص يبيح له الصلح
5.اشتراط التوكيل الخاص للإقرار بالصلح في الدعوى الجنائية يتفق مع القاعدة العامة المحاكمة،يها في المادة 702من القانون المدني والتي تنص على “لابد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة وبوجه خاص في البيع والرهن والتبرع والصلح والإقرار والتحكيم والمرافعة أمام القضاء وتوجيه اليمين. التوكيل الخاص_التوكيل الذي ينص فيه على جواز طلب الصلح في الجريمة محل التحقيق أو المحاكمة ،أما التوكيل العام فهو لا يجيز للوكيل طلب الصلح نيابة عن الموكل
6.جرى العمل على إجازة إثبات الصلح من الوكيل العام عن المجني علية طالما تضمن التوكيل العام حق الإقرار بالصلح سواء كان الصلح مقدما إلى النيابة العامة أو المحكمة
7. ج:إثبات الصلح مع المتهم أو وكيلة عدل المشرع نص المادة 18مكرر(أ) أن نص على جواز إثبات الصلح مع المتهم أو وكيلة ويعد هذا أمر محمود من المشرع باعتبار أن الصلح عملا قانونيا لا ينعقد إلا بتوافق إرادتي المتهم والمجني علية وينتج أثرة في انقضاء الدعوى الجنائية بمجرد انعقاده أي بصرف النظر عن شخص طالب إثبات الصلح أمام الجهة المختصة ولذلك يثبت الحق في طلب إثبات الصلح للمتهم خلافا لظاهر نص المادة 534من قانون التجارة باعتباره طرفا في هذا الصلح . يجوز للمتهم طلب إثبات الصلح أمام النيابة العامة أو المحكمة وطالما قام الدليل القاطع على وقوع الصلح وجب إثباته سواء طلب ذلك المجني علية أو المتهم
08وسواء كانت الجريمة محل التصالح من الجرائم المنصوص عليها في المادة 18مكرر(أ)من قانون الإجراءات الجنائية أو من جرائم الشيك المنصوص عليها في المادة 534\4من قانون التجارة . جدير بالذكر أن المشرع لم يشترط في المادة 18 مكرر(أ) في الوكيل عن المتهم أن يكون وكيلا خاصا وعلى ذلك تكفى الوكالة العامة في إثبات الصلح مع المتهم والقول بغير ذلك يعد من قبيل تقييد مطلق النص دون سند لا سيما أن النص اشترط الوكالة الخاصة في إثبات الصلح مع المجني علية ولم يشترطها بالنسبة للمتهم .
ثانيا:- الجرائم التي يسري عليها نظام الصلح؟
نص القانون رقم74 لسنة2007 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية وقانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض في المواد18 مكرر ،297 ،323 ،324 ،325 مكرر الفقرتان الأولى والثانية ،327 فقرة أولى ،398 فقرة أولى من قانون الإجراءات الجنائية النصوص الآتية:
مادة18 مكرر ” يجوز للمتهم التصالح في المخالفات وكذلك في الجنح التي لا يعاقب عليها وجوبا بغير الغرامة أو التي يعاقب عليها جوازيا بالحبس الذي لا يزيد حده الاقصي على ستة أشهر .
وعلى محرر المحضر أو النيابة العامة بحسب الأحوال أن يعرض التصالح على المتهم أو وكيلة ويثبت ذلك في المحضر . وعلى المتهم الذي يرغب الذي يرغب في التصالح أن يدفع قبل رفع الدعوى الجنائية مبلغاً يعادل ثلث الحد الأقصى للغرامة المقرر للجريمة ويكون الدفع إلى خزينة المحكمة أو النيابة العامة أو إلى من يرخص له في ذلك من وزير العدل .
ولا يسقط حق المتهم في التصالح برفع الدعوى الجنائية إلى المحكمة المختصة إذا دفع ثلثي الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة أو قيمة الحد الادني المقرر لها أيهما أكثر وذلك قبل صدور حكم في الموضوع.وتنقضي الدعوى الجنائية بدفع مبلغ التصالح ولا يكون لهذا الانقضاء اثر على الدعوى المدنية”
مادة297 ” إذا رأت المحكمة المنظور أمامها الدعوى وجها للسير في تحقيق الادعاء بالتزوير وكان الفصل في الدعوى المنظورة أمامها يتوقف على الورقة المطعون فيها ، تحقق المحكمة الواقعة بنفسها ومع ذلك يجوز لها إذا تعذر عليها ذلك أن تحيل الأوراق إلى النيابة العامة ، وفى هذه الحالة توقف الدعوى إلى أن يفصل في الادعاء بالتزوير ، وإذا تبين للمحكمة أن الورقة المطعون فيها مزورة تفصل في الدعوى وتحيل الواقعة للنيابة العامة لاتخاذ شئونها فيها .وفى حالة عدم وجود تزوير تقضي المحكمة بإلزام مدعي التزوير بغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنية”
مادة323 ” وللنيابة العامة في مواد الجنح التي لا يوجب القانون الحكم فيها بعقوبة الحبس إذا رأت أن الجريمة بحسب ظروفها تكفي فيها عقوبة الغرامة فضلا عن العقوبات التكميلية والتضمينات وما يجب رده والمصاريف أن تطلب من قاضي المحكمة الجزئية التي من اختصاصها نظر الدعوى توقيع العقوبة على المتهم بأمر يصدره بناء على محضر جمع الاستدلالات أو أدلة الإثبات الأخرى بغير إجراء تحقيق أو سماع مرافعة”
مادة324 ” ولا يقضي بالأمر الجنائي بغير الغرامة والعقوبات التكميلية والتضمينات وما يجب رده والمصاريف ويجوز أن يقضي فيه بالبراءة أو برفض الدعوى المدنية أو بوقف تنفيذ العقوبة “
مادة325 مكرر الفقرتان الأولى والثانية ” لكل عضو نيابة من درجة وكيل نيابة على الأقل بالمحكمة التي من اختصاصها نظر الدعوى أن يصدر الأمر الجنائي في الجنح التي لا يوجب القانون الحكم فيها بالحبس أو الغرامة التي يزيد حدها الادني على ألف جنيه فضلا عن العقوبات التكميلية والتضمينات وما يجب رده والمصاريف ، ولا يجوز أن يؤمر بغير الغرامة التي لا يزيد حدها الاقصي على ألف جنيه والعقوبات التكميلية والتضمينات وما يجب رده والمصاريف ويكون إصدار الأمر الجنائي وحوبيا في المخالفات وفى الجنح المعاقب عليها بالغرامة وحدها والتي لا يزيد حدها الاقصي على خمسمائة جنية والتي لا يري حفظها” مادة327 فقرة أولى ” للنيابة العامة أن تعلن عدم قبولها للأمر الجنائي الصادر من القاضي ولباقي الخصوم أن يعلنوا عدم قبولهم للأمر الصادر من القاضي أو من النيابة العامة ويكون ذلك بتقرير بقلم كتاب محكمة الجنح خلال عشرة أيام من تاريخ صدور الأمر بالنسبة للنيابة العامة ومن تاريخ إعلانه بالنسبة لباقي الخصوم “
مادة398 فقرة أولى “تقبل المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية وذلك من المتهم أو من المسئول عن الحقوق المدنية في خلال العشرة أيام التالية لإعلانه بالحكم الغيابي خلاف ميعاد المسافة القانونية ، ويجوز أن يكون هذا الإعلان بملخص على نموذج يصدر به قرار من وزير العدل ، وفى جميع الأحوال لا يعتد بالإعلان لجهة الإدارة “
استبدل المشرع بنص المادة (18 مكررا “أ” ) من قانون الإجراءات الجنائية النص التالي للمجني عليه أو وكيله الخاص ولورثته أو وكيلهم الخاص إثبات الصلح مع المتهم أمام النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال ، وذلك في الجنح والمخالفات المنصوص عليها في المواد238 ( الفقرتان الأولى والثانية ) ، و241( الفقرتان الأولى والثانية ) و265 و321 مكرراً و323 و323 مكررا ، و323 مكررا ” أولاً ” و324 مكررا و336 و340 و341 و342 و354 و358 و361،360( الفقرتان الأولى والثانية ) و369 و370 و371 و373 و377 ( البند9 ) و378 البنود(6و7و9 ) و379 ( البند4 ) من قانون العقوبات وفى الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون