وكالات -سلامه فرج
إذا كان يمكن تصديق وكالة “أعماق” الإخبارية، الذراع الإعلامي الأقوى لتنظيم داعش، فإن جميع الأمور تسير في أحسن حال بالأراضي التي يسيطر عليها التنظيم.
وهذه الذراع الإعلامية شبه الرسمية، التي نصبت نفسها وكالة أنباء بدون مسوغ يعطيها هذه الصفة ويتحدث باسم تنظيم داعش، يقدم نفسه على أنه بديل لوسائل الإعلام الغربية، ويواصل تغطية أنباء إنجازات التظيم في المعركة ضد الكفار.
نكسات الأشهر الأخيرة
وتظهر الصور ومقاطع الفيديو التي تبثها “أعماق” أن الحياة اليومية تسير كالمعتاد في مدينة الموصل، التي تعد الحصن الرئيسي لداعش في الشمال العراقي، وذلك على الرغم من الهجوم الكبير الذي شنته القوات العراقية لاستعادة المدينة من قبضة داعش بإسناد جوي أمريكي.
وعلى الرغم من أن ميليشيات التنظيم عانت بشكل واضح من نكسات خلال الأشهر الأخيرة، حيث انسحبت من مدينة تدمر لتتركها في أيدي القوات الحكومية السورية، والوقوع تحت الحصار في مدينة الرقة التي تعد عاصمتها في سوريا، إلا أنها من غير المرجح أن تنهزم تماماً في المستقبل القريب.
ويعرب حسن حسان الخبير في شؤون الميليشيات الإسلامية بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، عن اعتقاده بأن تنظيم داعش أجرى استعداداته منذ وقت طويل لاحتمال تعرضه للهزيمة.
وأشار حسان في تحليل له نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن محاولات القضاء على منظمة مسلحة سابقة على تأسيس داعش منيت بالفشل، لأن المتطرفين فيها قلصوا معدلات خسائرهم واختفوا داخل مسارب الصحراء الواسعة الكائنة غربي العراق.
التطورات المتوقعة
وبعيداً عن معالم الحضارة، انتظر مؤيدو داعش أن تتطور مجريات الأحداث لصالحهم، مع قيامهم في نفس الوقت بتأسيس خلايا في الموصل التي تسكنها غالبية من السنة، وعندما حل صيف عام 2014 أصبحوا مستعدين، حيث استولوا على الموصل بميليشيات تضم بضع مئات من المقاتلين.
وتعليقاً على التطورات المتوقعة يعرب جويدي شتاينبرج من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ومقره برلين، عن اعتقاده بأن مقاتلي داعش قد يكونون هذه المرة بعد انسحابهم إلى الصحراء في وضع أفضل، حيث أن هناك مناطق متاحة لهم للتراجع إليها في كل من سوريا والعراق اللتين تمزقهما الحرب.
ويقول شتاينبرج إنه “ستكون هناك مناطق رمادية كافية متاحة لهم هناك لكي يعملوا فيها، كما أن عملاء تنظيم داعش تسللوا منذ فترة طويلة إلى داخل ليبيا وشبه جزيرة سيناء المصرية، حيث تضعف سيطرة الدولة في هذه المناطق”.
وكما يعتقد شتاينبرج أن الموصل التي تعد ثاني أكبر مدينة في العراق، ستستمر في كونها ميدان معركة بالنسبة لميليشيات داعش حتى بعد تعرضهم لهزيمة كبرى.
ومن المعتقد أن التنظيم سينتهج أساليب حرب العصابات ليهاجم أهدافاً عسكرية وشرطية، كما اتضح ذلك من خلال الهجمات الأخيرة التي تنتمي لهذه النوعية ووقعت في مناطق من العراق طردت ميليشياته منها، ويجمع المحللون على أن تنظيم داعش لن يتعرض للتدمير بالوسائل العسكرية.
ويرى حسان أنه “لا يمكن الانتصار في الحرب على تنظيم داعش بدون سد الفراغ السياسي والأمني الموجود حالياً في مناطق كثيرة من العراق”.
ويتمتع داعش بمساندة السنة العراقيين الذين يشعرون بالتمييز ضدهم منذ أن تولت الغالبية الشيعية السلطة في أعقاب الإطاحة بصدام حسين.
ويمكن أن يؤدي الهجوم على الموصل في الحقيقة إلى توسيع شقة الانقسام بين السنة والشيعة، حيث تقوم الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران بعمليات قتالية داخل المناطق الشمالية من العراق التي تسكنها غالبية سنية، وفي حالة استمرار بقاء هذه الميليشيات في مناطق السنة رغماً عن أنف سكانها بعد انتهاء مهمتها في قتال داعش، فمن المتوقع اندلاع المقاومة السنية ضدها سريعاً.
ويرى حسان أن السياسات الأمريكية في المنطقة قد بذرت بذرة تجدد الصراع في سوريا عن طريق مساندة ميليشيات وحدات الحماية الشعبية الكردية.
وتتقدم القوات الكردية صوب الرقة مع القوات الأخرى المناهضة لتنظيم داعش، وتتكون غالبية سكان هذه المدينة الكائنة في الشمال السوري من العرب السنة الذين يشعرون من القلق إزاء التقدم الكردي.
داعش وتركيا
ومن ناحية أخرى تعارض تركيا أيضاَ قيام قوات الحماية الشعبية الكردية بدور بارز في القتال ضد داعش، فهي ترى أن هذه القوات متحالفة مع حزب العمال الكردستاني الذي يقاتله الجيش التركي في جنوب تركيا، ويقول حسان إن “تنظيم داعش يستعد للاستفادة من هذه الصراعات، وسيظل متحصناً في كل من العراق وسوريا”.
ومع ذلك فثمة آمال في أن تسجل سنة 2016 على أنها عام شهد فيه القتال ضد داعش تحولاً، وعلى أية حال تعرض تنظيم داعش لخسائر كبيرة مع فقدان مدينة تدمر والمنطقة على طول الحدود السورية مع تركيا، ناهيك عن مدينة الفلوجة العراقية.
ويعتقد المراقبون العسكريون أن الموصل ستسقط بين أيدي القوات العراقية حتى لو استغرق هذا التطور شهوراً، وتأتي مدينة الرقة كهدف تال للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا، على الرغم من أن تحرير الرقة من قبضة داعش قد يتطلب وقتاً أطول، حيث أن قوات الحكومة السورية تركز حالياً على قتال خصومها غربي البلاد.
ومع ذلك قد تتعرض الدول المشاركة في التحالف ضد داعش إلى خطر متزايد بشن هجمات إرهابية ضدها، بعد إخراج المتطرفين من الموصل والرقة.
ويقول الباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى جاكوب أوليدورت “بينما ستنتهي داعش في آخر المطاف كدولة، إلا أنها ستستمر كمصدر إلهام للإرهاب كفكرة، وسيكون لذلك تداعيات مميتة “.
ويشير إلى الصورة الذهنية التي كونها داعش بدأب وعناية لتصبح بمثابة العلامة التجارية التي تميزه، كما يشير إلى قدرة التنظيم الواضحة على إلهام وتحفيز هجمات الذئاب المنفردة .
وفي هذا الصدد أذاع زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي رسالة صوتية استغرقت 30 دقيقة في أوائل نوفمبر الماضي ليجعل صوته مسموعاً لأول مرة منذ عدة أشهر.
ودعا البغدادي في رسالته أتباعه إلى شن هجمات ضد أهداف في تركيا والسعودية، كما حثهم على مواصلة المقاومة في الموصل حتى النهاية، وقال “إن الصمود في مواقعكم بشرف لهو أسهل ألف مرة من الانسحاب مجللين بالعار، هذه الحرب هي حربكم “.