يعتبرالعرب أكثر الأمم اهتمامًا بالشعر واشتغالًا به؛ فلا تكاد تجد عربيًّا إلا نطق بالشعر وقال الأبيات والقصائد، سواء في ذلك رجالهم ونساؤهم وبناتهم وصبيانهم؛ لأن الشعر طبيعة من طبائعهم، وسجية من سجاياهم،. وكما أن للعرب قصائد عدت من أجود ما قيل بلاغة وبيانا وموسيقى وتصويرا وخيالا إلا أن هناك من الأشعار ما جاءت دون المستوى الفنى حتى عدها البعض أسخف الأشعارومن ذلك قول القائل :
كأننا والماء مِن حولِنا قوم جلوس حولهم ماء
الأرض أرض والسماء سماء والماء ماء والهواء هواء
والماء قِيل بأنه يروي الظما واللحم والخبز السمين غِذاء
ويقال أن الناس تنطِق مِثلنا أما الخِراف فقولها مأماء
كل الرجالِ على العمومِ مذكر أما النِساء فكلهن نِساء
والقصيدة لعلي بن سودون الجركسي اليشبغاوي القاهري من القرن الرابع عشر الميلادي.
والبيت الأول من القصيدة هو الذي اشتهر، وقد وصفه بعضهم بأنه «أسخف بيت شعر قالته العرب»،
وورد عن ابن الوردي تعليقاً على بيت سودون:
” وشاعر أوقَد الطبعُ الذكاءَ له فكاد يحرقه من فرطِ إذكاءِ أقام يُجهد أياماً قريحته وشبّه الماء بعد الجهد بالماء “
وهناك أكذب وأصدق بيت مما قالته العرب وهو بيت للمتنبى يقول فيه :
* بعيني رأيت الذئب يحلب نملة ويشرب منها رائباً وحليبا يقول المتنبي :
” أما من حيث انه أكذب بيت لأن الذئب لا يعرف كيفية الحليب وأصلا النملة ليست بالحلوب “ – أما وأنه أصدق بيت من الشعر يقول المتنبي : كنت مرة في احد أسواق الكوفة بجوار امرأة فقيرة تبيع السمك ، فجاءها رجل غني فاحش الغنى ومتكبر فسألها – بكم رطل السمك ؟
فقالت المرأة : بخمسة دراهم ياسيدي ،
فقال الغني : بل بدرهم ، فقالت ياسيدي : السمك ليس لي وأنا لا أستطيع ان ابيعه إلا بخمسة ،
فقال الغني :اعطني عشرة أرطال ، وفرحت المرأة وظنت أنه سيدفع خمسين درهماً ، ولما اعطته السمك أخذه و رمى لها بعشرة دراهم وانصرف ،فنادته المرأة : ياسيدي ،يا سيدي وهي تبكي فلم يرد عليها فناديته انا أيضاً فلم يرد علي ، لذلك قلت هذا البيت من الشعر : * بعيني رأيت الذئب يحلب نملة ويشرب منها رائباً وحليبا فقصدت الذئب هو الغني وأن النملة هي بائعة السمك الفقيرة ما أجملها من صورة شعرية ، وما أشبهها بعصرنا هذا .
وهكذا وسيظل الشعر العربى رمزا لأمة عرفت معنى البلاغة والفصاحة فأرضعتهما صغارها ولذا حين جاء موعد آخر الرسالات ومبعث معلم البشرية جاء بكتاب وقرآن من لدن رب العباد بلسان عربى مبين فاللهم احفظ الضاد وسلم لسان أهلها عن اللحن والزلل