” النابغة خلق من خالقه ، بصنع كما ترى أقدار الله إذ عو قدر على قومه وعلى عصره ”
وأقول :
” إن الحياة تختار فى كل شىء مفسرها العبقرى وإنسانها الكونى ،
فمفسرها العبقرى يكشف من غموضها ويزيد فيه أيضا ، وإنسانها الكونى ليكون دليلا على أنه خلق ليتلقى الحقيقة ويعطيها للناس ويزيدهم فيها الشعور بجمالها الفنى .
وهكذا هو أستاذنا الأديب الدكتور أيمن ميدان كما عهدتاه إنسانا وأستاذا أضفى على الإنسانية فيض من الأستاذية البشرية وأصبغ على الأستاذية معانى الإنسانية النبيلة
ولن أطيل عزيزى القارىء فى مقدمتى ولتكن مقالته خير تبيان لفيض الموهبة وعطاءالأديب الذى يمتلك أدواته الفنية يطوعها كيفما أردت له نفسه الشاعرة
كتب : أ / د أيمن ميدان
عمان الخير تحيـة من القلـب
فى الحادى عشر من سبتمبر عام 1997م كنت – والعائلة – على موعد مع تجربة حياتية شديدة الثراء ، عندما فكرت فى الفرار بذاتى بحثًا عن ذاتى ، نافضا غبار عذاباتى ، فيممت وجهى شطر عمان متخذًا منها منفى اختيارًا ، وجبلاً آوى إليه يعصمنى من التيه . وما أجمل أن يصبح المنفى وطنا ، ففى عمان لا تشعر أنك غادرت موطنًا ، أو فارقت أهلاً ، فأهلها هادئون كالنسيم ، مفطورون على السماحة ، مجبولون على المودة ، تحار كلما حاولت استكناهها أسبابا وأسرارًا وتجليات. كان استقبال موظف العلاقات العامة بجامعة السلطان قابوس في مطار السيب الدولي مفرط الحفاوة ، وكانت سرعة إنهاء إجراءات المغادرة سريعة ومريحة ، وخارج مطار السيب الدولى كان الأحبة الأساتذة الدكاترة درويش وكشك … وغيرهما منتظرين بحفاوة غامرة عهدتها فيهم من قبل قللت – بلا أدنى شك من حرارة لم نعهدها ، ولم يألفها الصغار .. وانتهى بنا المقام فى فيلا بالخوض رائعة مبنى وأثاثًا ، لنطرح أجسادًا منهكة ، وقد بلغ بنا الإرهاق مبلغه . السبت الأول اصطحبنى الرفاق إلى مكتب السيد عميد كلية الآداب لأتلقى الخطوط العريضة للعمل ، وقد راعنى تبدل نبرة الخطاب وأحادية ملامح الوجه الذى بادرنى قائلاً : ثمة فرق كبير بين هنا وهناك آليات عمل ولغةَ خطاب ، أنت رجل حلو الكلام كثير المجاز ، فامسك عليك لسانك، وانسف مخزن مجازاتك الخطيرة ، فهمت مغزى الرسالة ، وخرجت تتصارع فيّ الأسئلة ، وتنوشنى علامات الاستفهام، فررت من مصر بحثا عن الذات واستردادًا لها، وسعادة العميد د.أحمد درويش يحض رجلاً رضع حسن الكلام فباح به بتلقائية تنأى عن المواربة والنفاق – على تغيير فطرة وتبديل ذائفة . انخرطت فى تدريس النقد الأدبى القديم أعلامًا وقضايا ، ورحت أتحسس الحياة الأدبية العمانية ، وقد كنت على معرفة بخطوطها العامة وأعلامها البارزين الكبار من خلال لقاءاتى ببعضهم فى القاهرة وفاس والكويت … كسيف الرحبى وسعيد الصقلاوى ومحسن الكندى وأحمد الفلاحى فرحت أقرأ ما كتب عن الأدب العمانى ، وراعنى ساعتها أن لجيل الرواد ممن أسهم فى افتتاح الجامعة من العلماء المصريين أثرًا كبيرًا فى التأسيس لتاريخ الأدب فى عمان قديمه وحديثه ، فاتسمت كتابات درويش بالتوسع تاريخا ورصد ظواهر ، وجاء أبو همام مغايرًا صادمًا ، بينما ظل سعد دعبيس ذوقيا ، على حين جاءت بعض الدراسات الأخرى ساذجة المنهج سطحية المعالجة .. وهنا آثرت – منذ البدء – أن أكون امتدادًا لهؤلاء الرواد، فأثمرت تجربتى كتابين الأول بمشاركة معالى الوزيرة الدكتورة شريفة اليحيائية إعدادًا وتحريرًا عنوانه “الأدب فى عمان والخليج” والثانى يخصنى وحدى وعنوانه “دراسات نقدية فى الأدب العمانى” . وتحين لحظة الرحيل وأجدنى كالسائر على حد السيف أكتب مزعما ……………….. “كان لحداثة نشأة الدولة فى عمان كبير أثر فى نشأة الحياة الأدبية بها ، حيث وجد المبدع العمانى نفسه مدفوعًا إلى حَرْق المسافة من خلال قفزات الكونغارو ليلحق بركب الأدب فى أقطار عربية كبرى ، فتجاورت مذاهب القول لديهم دون تعاقب ، وتآلفت دون تقاطع أو صراع أو ضجيج ، ولعلها سمة تنفرد بها عمان عن غيرها ، فيحدث أن يضم المهرجان أو الملتقى ثلة من المبدعين الذين يمثلون كل فنون الشعر تقليدية طاغية (أبو سرور السمائلى) وحداثة متعقلة (سعيد الصقلاوى وهلال العامرى) وأخرى متجاوزة (خميس بن قلم وعبد الله العامري وحسن المطروشى) والناس يصغون بانبهار ويتجاوبون بلا قيود . لم تطل مرحلة الاقتراب الحذر من الأدب العمانى حيث وجدتنى – وبعد شهرين – فى قلب الحدث الثقافى الأبرز فى عمان ، عندما رشحنى عميد الكلية كى أكون محكما فى أضخم مهرجان شعرى يرعاه صاحب الجلالة السلطان قابوس وتقيمه وزارة التراث القومى والثقافة بمدينة نزوى الشهباء . أذكر ساعتها أنى من هول المفاجأة ذهبت إلى حيث يقيم د. أحمد درويش معتذرًا متعللاً بقلة معرفتى التامة بالحياة الأدبية فى عمان ، فكان رده : وهذا أدعى لتحقيق مبدأ الحياد . وفى الجلسات التحضيرية للمهرجان التقيت بالشاعر العمانى الأبرز عبد الله بن صخر العامرى (رحمه الله) وكان رئيس لجنة التحكيم وكان إنسانا نادرًا سعة صدر وطيب خلق وحسن معشر ، فكثر ما خضع لنزقى النقدى وصلف أخى د. محمد صقر وعناده . فقد اكتشف الشيخ عبد الله بن صخر العامرى أن نصًا لشاعر عمان الأبرز الشيخ عبد الله الخليلى ليس من بين النصوص الفائزة ، وعندما راجعنا نصه الشعرى وجدناه قصيرًا، ولا يمثل الشيخ خير تمثيل ، ولا يمكننا – أنا وصقر – قبول فكرة الزج به فى زمرة النصوص المميزة ، وهنا اقترحت عليه أن يكون شخصية المهرجات المكرمة لا الفائزة ، فلقيت الفكرة قبولاً ، وأصبح مهرجان الشعر العمانى يتخذ من علم عمانى موطن تكريم فى كل دوره من دوراته ، فكان أبو سرور السمائلى شخصية المهرجان الثانى بصحار .. حتى بلغ دورته التاسعة بولاية نزوى ديسمبر 2014م . فى رحاب جامعة السلطان مارست التدريس بآليات جديدة ومبتكرة ، فالقاعات على أرقى مستوى تأثيثا وتقنيات، ومكتبة الجامعة قديمة وحديثة تحتضن أحدث ما يصدر فى كل التخصصات، وعدد الطلاب قليل لا يكاد يتجاوز العشرين أعرفهم اسمًا وطبائع ، عهدتهم مهذبين حريصين على التعلم بكل سبل ، وهى سمة تميزهم عن غيرهم من الطلاب . كل شئ يحض على العمل تدريسًا وتحصيلا ، ويعجب المرءُ كيف استمر عطائى العلمى انجازًا وحضورًا ، فقد رقيت إلى الدرجة العلمية الأعلى (أستاذ) دون تراخ زمنى أو إخفاق ، وشاركت – بدعم من الجامعة – فى عشر مؤتمرات دولية ، والفضل فى كلٍ ذلك يعود إلى المناخ العلمى النموذجى التى حققته هذه الجامعة لمنتسبيها إدارة وإمكانات . وتمر الأيام طيبة وسط رفاق أعزاء بقسم اللغة العربية بكلية الآداب أساتذة وطلابا ، أذكر منهم الدكاترة شريفة اليحيائى ومحمد المعشنى وإحسان اللواتى وهلال الحجرى ، وجوخة الحارثى ، وعلى الكلبانى ، ومحمد المحروقى ، وزاهر الداودى وخالد الكندى وسناء الجمالى ،