” ثوب التجنيس الضيق ورداء الإبداع الواسع ”
أن تبدع هو أن تخلق خلقًا جديدًا تمامًا.. أن تقود ثورة شاملة تطيح بكافة الأصنام التي يطوف حولها عُبّاد القديم ومورثاته المعطِّلة لحركة التطور المأمول، بينما هي مَن تقوم عليها صروح الفخامة والإبداع..
أمَّا أن تقدم طرحًا مغايرًا لأطروحات سابقة بشأن فكرة إبداعية ما؛ فذلك ينبغي أن نراه حدا أدنى للإبداع وليس منتهاه أو مبتغى ما يلهث وراءه اللاهثون في كل حقل من حقول الإبداع الفسيحة..
وليس أكثر سذاجة من أن نصنع بأيدينا تابوها أو صنمًا يخيفنا ويحد من قدرة العقل الفائقة على خلق كل جديد وإزالة الضباب ومواصلة السير نحو العُلا نقدا وفكرا وإبداعا..
والتجنيس الأدبي شأنه شأن غيره من القيود التي نفرضها لعدة عقود حتى نقر أخيرا ونمنح الرخصة الثمينة للشكل الجديد -بعد استنزاف نصف عمره- بأن يلتقط كرسيا ويجلس معنا في قاعة المعترف بهم، لتلقى التصفيق ونظرات الإعجاب المستهلكة..
ولنا في قصيدة النثر والقصة القصيرة جدا العبرة والمثل الحاضر بقوة في المشهد الأدبي العربي.. فلكم حارب أتباعهما عبر سنوات طوال عند كل محفل من أجل أن نحصد نحن ثمرة تلك الحرب العادلة في نتائجها الآن..
ما أريد أن أذهب إليه هو أن المبدع لا يحتاج أن يتنازل عن عقد أو عقدين من عمره حتى تأتي لحظة الاعتراف بمنتجه وتقديم الاعتذار عن تجاهله لفترات طويلة من عمره الإبداعي..
كما أنه ينبغي أن ننظر إلى النص المعروض باعتباره وليد لحظة عقلية ووجدانية وروحية تخص صاحبه وحده دون غيره.. حتى هذا النص الذي تقرؤنه الآن هو ابن للحظة شعرت فيها بقوة ما تدفعني وتحثني على صنعه..
ولن تسمونه قصة أو قصيدة أو اقتباسا من رواية بالطبع، فقد ترونه مقالا أو رأيا خاصا بصاحبه – لا يلزم أحدا بشئ.. وربما لا يحمل مسحة أكاديمية متخصصة؛ لكنه خرج عفويا من وجدان يهوى صاحبه البسيط الإبداع ويأنس بأتباعه..
فليس مُجديا أبدا عند كل نص، أن نرفع بوجه صاحبه لافتة الشروط التجنيسية المرتبطة بهذا الشكل الأدبي أو ذاك..
فهناك من النصوص التي مرقت من قوالب التجنيس جميعها، واستطاعت بعفويتها وصدقها الوصول إلى عمق قلب القارئ وحاذت اهتمامه وأصابت فكره بالخلخلة عندما عصفت بذهنه للحظات..
ولا أقصد بالطبع الخروج التام والمتعمد على القواعد الثابتة والمستقرة لأشكال الإبداع، وإنما أقصد ألا نتجاهل -متعمدين- دور الوجدان في كسو النصوص لحمًا وجلدا.. قليل من المروق من أجل كثير من الإبداع..
فلربما نجد مبدعا حاذقا جدا.. يمتلك القدرة على الالتزام الصارم بالقواعد – وهنا نستطيع أن نسميه مهني يمتلك أدوات مهنته – لكنه في الوقت ذاته يفشل فشلا ذريعا في الاستحواذ على استحسان القارئ لنصه الملتزم..
المبدع ولحظات الإبداع؛ شئٌ آخر بالتأكيد..
محمود روبي