بقلم عبدالله الأقصري
هل فكرت أن تقف أمام مدرسة من المدارس المتواجدة في منطقتك وتخرج تليفونك المحمول ذو الكاميرا وتلتقط صورة للمدرسة ثم تبحث على جوجل عن صورة خارجية لسجن من السجون وتُجري مقارنة بين الصورتين ؟ صدقني إذا فعلت تلك التجربة البسيطة وحاولت المقارنة بين الصورتين فلن تجد فرق، وستشعر أن المهندس الذي أعد تصميم المدرسة وأشرف على بناءها هو نفس المهندس الذي أشرف على بناء ذلك السجن. فكما يحيط السجن سور كبير ويقف على بابه جنود مسلحين كذلك يحيط المدرسة سور كبير ويقف على بابها عامل أو فراش أو أفراد أمن هذا من الخارج ، أما من داخل المدرسة تجد كل الطلاب داخل الفصول ولا يحق لهم التنفس خارج نطاق الفصل إلا لوقت قصير في الفسحة أو في حصة الأنشطة أو التربية الرياضية تلك الحصة التي يسمونها حصة ألعاب ولا يوجد أي نوع من الألعاب إلا مساحة واسعة من الأرض الجافة يمارس فيها الطلاب هواياتهم في الشجار والنزاع مع بعضهم البعض، وهذا ما يحدث أيضاً في السجون والمعتقلات يجلس المساجين في عنابرهم دون الحصول على أدنى فرصة لتنفس هواء نقي ورؤية أشعة الشمس بالخارج. وإذا نظرت إلى إدارة المدرسة تجد مديراً للمدرس تسيطر على ملامح وجهه الكآبة والهموم ويظن أنه كي يثبت لزملاءه قدرته على السيطرة والإدارة داخل المدرسة لابد أن يظل وجهه مسوداً وهو كظيم ولا تُرى له ابتسامه داخل المدرسة مثله في ذلك مثل مدير السجن وتعامله داخل محيط السجن. فلا عجب بعد ذلك أن تزداد نسبة التسرب من المدارس فالطالب يهرب من المدرسة التي يشعر داخلها أنه في سجن ومحكوم عليه بعدد 7 حصص دراسية كل يوم لا يستطيع أن يتنفس في أوقاتها.
يظن البعض أن شكل بناء المدرسة لا يؤثر كثيراً في نفوس الطلاب وسيتهمني الكثير أنني أركز على مشكلة فرعية في عملية التعليم، ربما تبدو تلك المشكلة فرعية ولكنها لا تبعد عن كونها مشكلة تؤثر في العملية التعليمية بشكل سلبي ينعكس على مستوى التحصيل الدراسي فلا أحد يستطيع الجلوس في مكان لا يحبه ومن طبيعة النفس الإنسانية حب الحرية والإنطلاق، لا أقصد بذلك أن ندع المدرسة بلا رقابة أو نترك الحبل على الغارب وإنما أقصد أننا لابد أن نهتم بشكل المدرسة من الداخل ومن الخارج وأن نكثف من حصص الأنشطة وأن نوفر الوسائل التعليمية والترفيهية داخل المدارس وهناك العديد من الدول التي طبقت أنظمة تعليمية مختلفة عن النظام التقليدي الذي نحن عليه منذ أزمنه ونجحت تلك الدول في رفع مستوى التعليم لدى أبناءها من الطلاب والطالبات. نحتاج في مجتمعاتنا إلى فهم حقيقي لمشكلة التعليم وإدراك الأبعاد المختلفة لتلك المشكلة فمثلاً لابد من تفعيل دور الأسرة ومتابعتها للطالب في المنزل ولا نجعل المدرسة هي المكان الوحيد للبحث عن العلم وتحصيل الدروس فقديماً قالوا ” إن الدنيا مدرسة ” فلابد لكل ولي أمر أن يلقي شيئاً من المسؤلية على ابنه ويشاركه في أراءه ومناقشاته وأن يتابع مستواه الدراسي ويقوم سلوكه وأن يتعرف على أصدقاء أبنه فالأصدقاء لهم تأثير كبير في سلوكه. ومن المشاكل الهامة التي لابد من معالجتها إن أردنا حل مشكلة التعليم ألا وهي المناهج الدراسية فقد باتت تلك المناهج مشكلة كبيرة بما تحتويه من حشو لا يستفيد منه الطالب في حياته العملية فلابد من تدقيق المناهج الدراسية وجعلها تعتمد على الفهم أكثر من الحفظ. ولابد أيضاً من الإهتمام بالمعلم من الناحية المادية والناحية التثقيفية فلابد من إعادة هيكلة الأجور والرواتب بالنسبة للمعلمين حتى يستطيع المعلم أن يظهر بالمظهر المناسب أمام طلابه ويحظى بحبهم واحترامهم.
وأخيراً وليس آخراً مشكلة البناء المدرسي الذي لا نعرف إن كانت مدارس هي أم سجون.
——–