في قصتي إجابتي
قانون باركنسون
بقلم
الدكتور علي عبد الظاهر الضيف
قام أستاذ جامعي في قسم إدارة الأعمال بإلقاء محاضرة عن أهمية تنظيم وإدارة الوقت حيث عرض مثالا حيا أمام الطلبة لتصل الفكرة لهم.
كان المثال عبارة عن اختبار قصير، فقد وضع الأستاذ دلوا على طاولة ثم أحضر عددا من الصخور الكبيرة وقام بوضعها في الدلو بعناية، واحدة تلو الأخرى، وعندما امتلأ الدلو سأل الطلاب : هل هذا الدلو ممتلئ؟
قال بعض الطلاب : نعم.
فقال لهم : أنتم متأكدون ؟
ثم سحب كيسا مليئا بالحصوات الصغيرة من تحت الطاولة وقام بوضع هذه الحصوات في الدلو حتى امتلأت الفراغات الموجودة بين الصخور الكبيرة ….
ثم سأل مرة أخرى : هل هذا الدلو مملتئ ؟
فأجاب أحدهم : ربما لا ..
استحسن الأستاذ إجابة الطالب وقام بإخراج كيس من الرمل ثم سكبه في الدلو حتى امتلأت جميع الفراغات الموجودة بين الصخور ..
وسأل مرة أخرى : هل امتلأ الدلو الآن ؟
فكانت إجابة جميع الطلاب بالنفي. بعد ذلك أحضر الأستاذ إناء مليئا بالماء وسكبه في الدلو حتى امتلأ.
وسألهم : ما هي الفكرة من هذه التجربة في اعتقادكم ؟
أجاب أحد الطلبة بحماس : أنه مهما كان جدول المرء مليئا بالأعمال، فإنه يستطيع عمل المزيد والمزيد بالجد والاجتهاد.
أجابه الأستاذ : صدقت .. ولكن ليس ذلك هو السبب الرئيسي .. فهذا المثال يعلمنا أنه لو لم نضع الصخور الكبيرة أولا، ما كان بإمكاننا وضعها أبدا.
ثم قال : قد يتساءل البعض وما هي الصخور الكبيرة ؟ إنها هدفك في هذه الحياة أو مشروع تريد تحقيقه كتعليمك وطموحك وإسعاد من تحب أو أي شيء يمثل أهمية في حياتك.
قرر أحمد أن ينهي رسالة الماجستير في عامين فأنجزها في عامين وقرر صديقه أن ينهي رسالته في أربع سنوات فأنهاها في أربع سنوات ..
عندما يضع كل منا خطة زمنية لعمل ما فإنه يسخر كل ما لديه من إمكانات لينهي عمله في تلك الفترة وسوف يوطن نفسه ومواعيده على تلك المدة المخصصة لإنجاز عمله ..
نعود إلى أحمد الذي بدأ في الخطوة التالية وهو الآن في مرحلة الدكتوراه بينما زميله مازال يجاهد لينجز رسالته في الماجستير !
من أشهر مقولات إيلون ماسك الشهيرة “إن منحت نفسك 30 يوماً لتنظيف منزلك، فسوف يستغرق الأمر 30 يوماً، ولكن إن منحت نفسك 3 ساعات لتنظيفه، سيستغرق الأمر 3 ساعات”
ببساطة هذا هو بالضبط ملخص “قانون باركنسون ففي عام 1955، نشر الباحث البريطاني “نورثكوت باركنسون” مقالاً في مجلة “ذي إيكونوميست”، ووردت فيه العبارة التالية: “إن العمل يمتد ليملأ الوقت المتاح لإنهائه”، فنالت إعجاب الكثير من القراء وأصبحت تُعرف فيما بعد باسم “قانون باركنسون”، وفحوى هذا القانون هو أنّ الأفراد يستهلكون كل الوقت المتاح لتأدية مهمة معينة، حتى لو كانت هذه المهمة تتطلب وقتاً أقل بكثير، وبصيغة أخرى، عندما يكون الوقت المتاح ضيقاً، يعمل الفرد بوتيرة أعلى ويركّز على الأمور المهمة ويحاول إنجازها بسرعة، وعندما يتوفر متسع كبير من الوقت لإنجاز عمل ما، فغالباً ما يقع الفرد فريسة للتسويف والتأجيل والاهتمام المبالغ بالتفاصيل الفرعية غير المهمة.
تكمن أهمية هذا القانون في تسليط الضوء على ضرورة تحديد فترة زمنية معينة مناسبة لكل مهمة حتى نتمكن من إنجازها في الوقت المحدد، ويؤدي هذا بدوره إلى تخفيض درجة تعقيد المهمة ذاتها، والنظر إليها بمنظور صحيح، كما يساعد هذا القانون في تحسين إنتاجية الفرد، إذ يقوم على تأدية المهام الرئيسية وفقاً للأولويات، فعلى سبيل المثال، بدلاً من قراءة كل ما يرد إليك عبر البريد الإلكتروني، يمكنك قراءة الرسائل المهمة فقط وحذف الباقي.
الوقت هو العُملة الحقيقية التي يستخدمها الإنسان لتيسير أموره ؛ بينما المال لا يستطيع أن يعطي الإنسان مزيدًا من الوقت ، وبذلك يصبح الوقت أهم من المال لأن الوقت هو المسئول عن تحقيق كل الإنجازات على كل المستويات سواء العلمية أو المادية أو الترفيهية .
فالوقت يا عزيزي من ذهب إن لم تدركه ذهب ، وعندما أسيء استخدام الوقت فانا أبدد المورد الوحيد الذي لا يمكن ابداً استرداده. فالوقت معلم من لا معلم له؛ ولا تنس أن الوقت المنظم جيدًا هو البرهان الأكيد على العقل المنظم جيدًا
وفي النهاية :
قيل لعمر بن عبدالعزيز يوماً : – ” أخّر هذا العمل إلى الغد ” ، فقال :” ويحكم ؛ إنه يعجزني عمل يوم واحد ، فكيف أصنع إذا اجتمع علي عمل يومان ؟ ” ومن أقواله : ” إن الليل والنهار يعملان فيك ، فاعمل فيهما ”
لاحظ : الفرق بين الناجح والفاشل ليس فرقا في العقول بل فرقا في تنظيم الوقت .. ولا تنس أن الإنسان سيسأل عند موته عن عمره فيما أفناه ..