طيلةعدة سنوات وحين تأذن لي وحدتي، أذهب معها حيث أكون، أختلس بعضاً من نسمات الصمت والسكون، أطل من نافذتي التي أسطو بها على عوالمي المفقودة، قلبي يصرعلي أن يجتر الذكريات الدامية، يطربني صوت نزيفه وأنينه،
أبكي صوت تمزق اوصالي فهو يصم أذني، أمط شفتي في محاولة لتجنب الاحتكاك بسطح ذكرياتي الخشن، فشلت في محاولة نسيان الألم النفسي، مع ذكرى لاهي صالحتني و لا هي أفلتتني لأذهب بسلام.
. كل مساء أدفن رأسي و كلي تحت الوسائد والأغطية، لكن هيهات، فرنين همس الذكريات كصدى صوت ناقوص كنبسة قبطية في واد مقفر، يوجعني ويقفل علي كل منافذ الهرب، أشتاق أمي كما دوماً؛ كي تربت_كعادتها_على خافقي، لكنني لم أجدها؛ فلقد ذهبت روحها الطاهرة إلى بارئها، كم بت أكره أيامي بدونها، لقد كانت الجسر الذي يربط اخوَتنا بخيوط فولاذية، ففراقها بات مرادفا للإهمال و التجاهل
والتقصير بيننا، وباتت كلمة الآخوة لا معنى لها في عالم تحكمه المصالح.
منذ عدة سنوات لم يأت إخوتي وأخواتي لزيارتي، ولم تطأ اقدامهم اسفلت شارعي، علي آثر مشادة كلامية بينهم وزوجتي، لم تتصاعد الخلافات بينهم، ولم ترتفع بينهم سقف المناقشة للحد الذي يغزلون به ثوب هذه المقاطعة المفتعلة، لم اتطرق للأمر، وتركت الجرح حتى يندمل.
بعد بضعة أشهر، الأمر لا ينتهي بالطواف حول منازلهم، إنما كنت أختلس نظرات وخطوات أذهب إليهم، كنت أميل إلي ملامسة حضن الأخوة الدافئ، الذي كان_قديماً_يطوقني ويجعلني احس بالحياة، حتى ألفت هذا الطوق الذي انكسر و مال، فقد تعلمت في طوق هذا الحضن الدافئ مغازل الحياة.
قدر محتوم أحاط بتلك الجدران التي تنتشر بداخلها نيران الفراق، والتي حالت بيني وأخوتي، والتي طال جلوسي في حجرها، أتمني دائماً لو أن زلزالاً حدث على حين غرة، وأهلك تلك الجدران وأسقطها أوأحدث فيها شرخاً كي تخو وتتهاوى، كيف أنفذ إلى بوح فضاء علاقتنا؟!
شربت من كؤوس الصبر وتجرعت مرارة بعدهم عني، توددت إليهم مراراً، زيارة تلو زيارة، اغتنم فرصة المناسبات السعيدة أو الحزينة، أحَلق بينهم كعصفور صغير لايقو علي الطيران وفقد عشه، تمنيت غفرانهم؛ بل وددت بشدة مد جسور الود بينهم وأهل بيتي، حاولت كثيراً الاقتراب منهم جميعاً؛ ولكنني دوما كنت أدور في نلك الدوائر المغلقة، وسرعان ما أعود وأرتد ولا أنال مبتغاي، لم أجد سوى أغصان يابسة أفقدها برد الخريف حيويتها.
ذات يوم غفوت علي فراشي، وجدت ابتسامة أمي تواسيني، في الصباح قررت إعادة المحاولة لربط العلاقات التي قطعت منذ عدة سنوات، أرتد اسفاً ولا أنال مبتغاي، قال أحدهم بصوت كفحيح أفعى: لن تطأ أقدامنا منزلك.
.لقد نسفت قساوتهم جسورا قد مددتها إليهم في محيط علاقتنا الممزقة.
عزفت ذائقتي مؤخراً عن ملاحقتهم؛ بعد فقداني الأمل في غزل ثوب جديد لعلاقتنا المهترئة.
قررت الأبتعاد قدر استطاعتى، لقد اصابوا كبريائي في ربيع قاحل، ونشبت اظافر قساوتهم جدران خافقى .
ذات مساء احسست بشيء ينسلخ من جسدي، فعلمت أنها نهايتي واللحظات الأخيرة، لم انزعج من لقاء ربي بل على العكس كنت فرحاً بهذا اللقاء، فطيلة حياتي لم أقدم على أي فعل يسئ لي، بل كنت من رواد المساجد ، مع اننى أقطن دوراً مرتفعا، كنت اتلذذ بالمشقة، لأنني أعلم أن الثواب علي قدر المشقة، ذهبت روحي إلي بارئها وأنا مطمئن، فلقد حاولت مراراً أن أذوب الخلافات وأقَرب المسافات دون جدوى.