بقلم الدكتور/علي عبدالظاهر الضيف
كانت المفاوضات تدور أثناء الحرب العالمية بين الرئيس السوفييتي ستالين، والرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس وزراء بريطانيا تشرشل، في روسيا وأثناء المباحثات كتب روزفلت كلاماً على قصاصة ورق صغيرة، وسلّمها إلى تشرشل!
قرأ تشرشل ما كتبه روزفلت ثم أحرق الورقة في منفضة سجائر أمامه، بعدها كتب الرد وسلمه إلى روزفلت، الذي قرأه ثم رمى الورقة أيضاً في المنفضة التي بجانبه!
بقيت الورقة سليمة لأن روزفلت لم يكن يدخِّن.
وما إن غادر الزعماء طاولة المفاوضات، سارع أفراد جهاز المخابرات السوفياتي إلى التقاط الورقة وكان مكتوباً بخط تشرشل: “لن يطير النسر العجوز من العش على أية حال”!
فسّرت المخابرات السوفياتية تلك الكلمات على أنه محاولة لاغتيال شخصية كبيرة وعجوز!! وانصرفت أنظارهم إلى أن ستالين هو المقصود.
قاموا بالتحري والتدقيق عن مثل مثل هذا التعبير وأصل اقتباسه فبحثوا في الكتاب المقدس، وروايات شكسبير، وديكنز، وحتى “أليس في بلاد العجائب”!!
لكنهم لم يعثروا على أي تفسير مقنع، وأصبح الأمر أكثر وضوحاً بالنسبة لهم فهناك محاولة اغتيال! النسر العجوز هو ستالين، والعش هو قصر المحادثات في روسيا.
قاموا بتغيير الحرس، وعززوا المراقبة وجلبوا كل ما يلزم من عتاد وذخيرة قد يحتاجونها في أية معركة .. ومع ذلك، لم تحدث مفاجآت غير سارة!!
غادر الزعماء الكبار بهدوء إلى بلدانهم.
وبعد مرور عدة سنوات على ذلك الاجتماع، صادف أن وجد مترجم سوفييتي نفسه في إحدى المناسبات وهو يقف بجانب تشرشل، فسأله عما كان يقصده بعبارته تلك الغامضة والخطيرة..؟!
فأجاب تشرشل:
في حقيقة الأمر، كتب روزفلت لي يقول : “سيد تشرشل، سوستة بنطلونك مفتوحة”! فطمأنته بأن “النسر العجوز لن يطير من العش!”
لك ان تخيل كل الحشد والاستعدات وحالة الطوارئ لمجرد تفسيرات خيالية شطحت بذهن البعض وربما كان من أصحاب القرار من خياله خصب فيصور له أفلاما ومسلسلات وروايات الواقع في واد وهي في واد آخر.
حين قرأت تلك القصة الفكاهية تذكرت مسرحية شاهد ما شافش حاجة حين ظل عادل إمام يبكي طوال الفيلم في السينما واجتمع حوله الناس يواسونه وهو مستمر في البكاء وجاءوا برئيس الحي والمحافظ “وأنا أعييييييط” وفي النهاية اكتشفنا أن “الجزمة ضيقة”
لو تأملنا حالنا فسنجد حولنا الكثير من مثل هؤلاء المحللين الذين يشطح بهم الخيال بعيدا ويجرون وراء الأوهام فيرهقون عقولهم في وضع تفسيرات لكل كلمة وكل حركة وكل إيماءة من الزملاء أو الأهل أو الجيران، ثم يلعب الخيال دوره فيأخذهم إلى عالم آخر كله خرافات وأساطير وكلها أفلام رعب !
هؤلاء المحللون يعيشون بيننا ودائما تشغلهم نظرية المؤامرة، وتستحوذ على تفكيرهم بشكل يثير السخرية أحيانا، فنجده لا يستطيع النوم لمجرد ان أحدهم قال كلمة ربطها خياله بحادثة مؤسفة له او موقف أليم بالنسبة له أو مشكلة قديمة فنجده دائما قلقا متوترا سريع الانفعال فاقد الثقة فيمن حوله لا يرى في الورد إلا أشواكه ولا يرى ما فيها من جمال فيصدق فيه قول إيليا أبي ماضي :
وترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوقها الندى إكليلا !
وهؤلاء لا يصلون إلى سن الأربعين إلا وتجدهم مصابين بالسكر وأمراض الضغط وقرحة المعدة والتجهم لا يفارق وجوههم ولا تجد لهم أصدقاء إلا نادرا، فلا يتحملهم أحد ولا يطيق التعامل معه بشر، فهم دائمو الشكوى من الناس ومن خبثهم ولؤمهم وحياتهم الأسرية مضطربة دوما !
في الحقيقة لقد صادفت هذا النوع من الناس في حياتي الشخصية واكتشفهم من أول موقف فبمجرد ما تبدأ تحليلاتهم للناس وللمواقف مشبعة بسوء الظن والشطحات البعيدة اكتشف أنهم من النوع المغرق في خيال التحليلات فاهرب منهم على الفور !
ليس هناك أجمل ممن وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : “حرمت النار على كل هيِّن ليّن” ما أجمل هؤلاء الذين يأخذون الأمور ببساطة ولا يعقدون الحياة ويحسنون الظن بإخوانهم ويلتمسون الأعذار لغيرهم .. هذا الهين اللين إذا وجدته لا تفارقه ولا تتركه فهو من يستحق طول عشرتك والجدير بصداقتك .
هذا الهين تجد روحه خفيفة، جلسته ظريفة، متفائل دائما، لا يحمل هم الدنيا، متوكل على الله في أموره، لا يجزع لما أصابه، لا يأخذ التلميحات إلا على محمل طيب، بشوش الوجه، سهل المعشر يحبه الجيران والأهل والزملاء، وتعشقه زوجته، ومشاكله نادرة في محيط أسرته، يجتمع حوله الجميع ولا يمل عشرته أحد .
أما المحللاتي صاحب النظرة الميتافيزيقية للأمور ففر منه فرارك من الأسد فلن تجني من الشوك العنب .
خذوها مني نصيحة : تحميل الأمور فوق طاقتها يهدر طاقتنا.
وفي النهاية أكررها لكم ولا أمل تكرارها:
معظم مشاكلنا سببها إما مقصود لم يفهم أو مفهوم لم يقصد
والحل في كلمتين: استفسر عن قصده وأحسن الظن به .
قرأ تشرشل ما كتبه روزفلت ثم أحرق الورقة في منفضة سجائر أمامه، بعدها كتب الرد وسلمه إلى روزفلت، الذي قرأه ثم رمى الورقة أيضاً في المنفضة التي بجانبه!
بقيت الورقة سليمة لأن روزفلت لم يكن يدخِّن.
وما إن غادر الزعماء طاولة المفاوضات، سارع أفراد جهاز المخابرات السوفياتي إلى التقاط الورقة وكان مكتوباً بخط تشرشل: “لن يطير النسر العجوز من العش على أية حال”!
فسّرت المخابرات السوفياتية تلك الكلمات على أنه محاولة لاغتيال شخصية كبيرة وعجوز!! وانصرفت أنظارهم إلى أن ستالين هو المقصود.
قاموا بالتحري والتدقيق عن مثل مثل هذا التعبير وأصل اقتباسه فبحثوا في الكتاب المقدس، وروايات شكسبير، وديكنز، وحتى “أليس في بلاد العجائب”!!
لكنهم لم يعثروا على أي تفسير مقنع، وأصبح الأمر أكثر وضوحاً بالنسبة لهم فهناك محاولة اغتيال! النسر العجوز هو ستالين، والعش هو قصر المحادثات في روسيا.
قاموا بتغيير الحرس، وعززوا المراقبة وجلبوا كل ما يلزم من عتاد وذخيرة قد يحتاجونها في أية معركة .. ومع ذلك، لم تحدث مفاجآت غير سارة!!
غادر الزعماء الكبار بهدوء إلى بلدانهم.
وبعد مرور عدة سنوات على ذلك الاجتماع، صادف أن وجد مترجم سوفييتي نفسه في إحدى المناسبات وهو يقف بجانب تشرشل، فسأله عما كان يقصده بعبارته تلك الغامضة والخطيرة..؟!
فأجاب تشرشل:
في حقيقة الأمر، كتب روزفلت لي يقول : “سيد تشرشل، سوستة بنطلونك مفتوحة”! فطمأنته بأن “النسر العجوز لن يطير من العش!”
لك ان تخيل كل الحشد والاستعدات وحالة الطوارئ لمجرد تفسيرات خيالية شطحت بذهن البعض وربما كان من أصحاب القرار من خياله خصب فيصور له أفلاما ومسلسلات وروايات الواقع في واد وهي في واد آخر.
حين قرأت تلك القصة الفكاهية تذكرت مسرحية شاهد ما شافش حاجة حين ظل عادل إمام يبكي طوال الفيلم في السينما واجتمع حوله الناس يواسونه وهو مستمر في البكاء وجاءوا برئيس الحي والمحافظ “وأنا أعييييييط” وفي النهاية اكتشفنا أن “الجزمة ضيقة”
لو تأملنا حالنا فسنجد حولنا الكثير من مثل هؤلاء المحللين الذين يشطح بهم الخيال بعيدا ويجرون وراء الأوهام فيرهقون عقولهم في وضع تفسيرات لكل كلمة وكل حركة وكل إيماءة من الزملاء أو الأهل أو الجيران، ثم يلعب الخيال دوره فيأخذهم إلى عالم آخر كله خرافات وأساطير وكلها أفلام رعب !
هؤلاء المحللون يعيشون بيننا ودائما تشغلهم نظرية المؤامرة، وتستحوذ على تفكيرهم بشكل يثير السخرية أحيانا، فنجده لا يستطيع النوم لمجرد ان أحدهم قال كلمة ربطها خياله بحادثة مؤسفة له او موقف أليم بالنسبة له أو مشكلة قديمة فنجده دائما قلقا متوترا سريع الانفعال فاقد الثقة فيمن حوله لا يرى في الورد إلا أشواكه ولا يرى ما فيها من جمال فيصدق فيه قول إيليا أبي ماضي :
وترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوقها الندى إكليلا !
وهؤلاء لا يصلون إلى سن الأربعين إلا وتجدهم مصابين بالسكر وأمراض الضغط وقرحة المعدة والتجهم لا يفارق وجوههم ولا تجد لهم أصدقاء إلا نادرا، فلا يتحملهم أحد ولا يطيق التعامل معه بشر، فهم دائمو الشكوى من الناس ومن خبثهم ولؤمهم وحياتهم الأسرية مضطربة دوما !
في الحقيقة لقد صادفت هذا النوع من الناس في حياتي الشخصية واكتشفهم من أول موقف فبمجرد ما تبدأ تحليلاتهم للناس وللمواقف مشبعة بسوء الظن والشطحات البعيدة اكتشف أنهم من النوع المغرق في خيال التحليلات فاهرب منهم على الفور !
ليس هناك أجمل ممن وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : “حرمت النار على كل هيِّن ليّن” ما أجمل هؤلاء الذين يأخذون الأمور ببساطة ولا يعقدون الحياة ويحسنون الظن بإخوانهم ويلتمسون الأعذار لغيرهم .. هذا الهين اللين إذا وجدته لا تفارقه ولا تتركه فهو من يستحق طول عشرتك والجدير بصداقتك .
هذا الهين تجد روحه خفيفة، جلسته ظريفة، متفائل دائما، لا يحمل هم الدنيا، متوكل على الله في أموره، لا يجزع لما أصابه، لا يأخذ التلميحات إلا على محمل طيب، بشوش الوجه، سهل المعشر يحبه الجيران والأهل والزملاء، وتعشقه زوجته، ومشاكله نادرة في محيط أسرته، يجتمع حوله الجميع ولا يمل عشرته أحد .
أما المحللاتي صاحب النظرة الميتافيزيقية للأمور ففر منه فرارك من الأسد فلن تجني من الشوك العنب .
خذوها مني نصيحة : تحميل الأمور فوق طاقتها يهدر طاقتنا.
وفي النهاية أكررها لكم ولا أمل تكرارها:
معظم مشاكلنا سببها إما مقصود لم يفهم أو مفهوم لم يقصد
والحل في كلمتين: استفسر عن قصده وأحسن الظن به .