5 اغسطس ..1962 خبر رئيسي يتصدر الصحف الأمريكية و العالمية:
انتحار مارلين مونرو، 36 سنة، و التحقيق مازال مستمرا..
3 مايو 1987 خبر محزن يلف العالم: انتحار المغنية داليدا، 54 سنة، و تركها رسالة ” سامحوني .. الحياة لم تعد تحتمل!”
20 مايو 2009.. خبر صادم في الأوساط الفنية البريطانية… انتحار الممثلة لوسي جوردون، 29 سنة، و التحقيق مازال مستمراً..
11 اغسطس 2014 خبر عاجل في شريط الأخبار: انتحار الفنان الأمريكي المعروف روبن ويليامز ، 63 سنة،… و مازال التحقيق مستمراً، و أسرته تطالب بالتحفظ على خصوصية الأمر..
و تفجعنا أخبار الإنتحار من آونة إلى أخرى.. ونتساءل لماذا انتحرت مارلين مونرو رغم أنها كانت شابة، من أجمل نساء الأرض و انجح ممثلة في هوليود؟
لماذا قررت داليدا أن الحياة لم تعد تحتمل و هي في أوج الشهرة و المجد؟
و لماذا انتحرت لوسي جوردون رغم أنها شابة ثرية و نجمة معروفة؟..
و الأغرب كان إنتحار روبي ويليامز نجم الكوميديا العالمي…
و تطل علينا الحقيقة البائسة.. انتحر نجم الكوميديا لأنه كان يعاني من الإكتئاب!
و بدأت كلمة الإكتئاب تظهر في الصحف و التحليلات كسببٍ بارز لكل حوادث الانتحار…
ما الذي يربط ما بين قمة النجومية و النجاح و الثراء و ما بين شاب يافع يعاني من ضغوط دراسية.. أو فتاة رقيقة صفعتها أرقام الثانوية العامة، أو رجل بالغ طحنته الديون، أو ربة منزل أشقتها قسوة المعيشة ..
ما الذي يجعل قارة أوروبا تتصدر قائمة الدول الأكثر انتحاراً؟
ما الذي يجعل تركيا صاحبة الرقم الأعلى في حوادث الانتحار الجماعي؟
ما الذي يربط مابين كل هؤلاء البشر.. و يدفعهم إلى ذلك…؟
هل هو حقاً الإكتئاب أو غربة النفس؟
هل كل مصاب بالاكتئاب سيقوم بالانتحار؟
الحقيقة أن جميع حالات الانتحار التي تعرضنا لها وصلت إلينا عن طريق الاعلام سواء المرئي أو المسموع أو المقروء.. جميعها حالات نجحت في الانتحار..
لم تصلنا أي أخبار عن من يعاني من غربة النفس و فكر في إنهاء حياته و تم إنقاذه، أو أنه لم يقدم على ذلك من الأساس!
ببساطة…ليس هناك تعداد لذلك…
و هنا نتوصل للصورة الأكبر.. الانتحار ليس نتيجة حتمية لكل مكتئب..
أو مايسمى في علم النفس أن العلاقة مابين الانتحار و الإكتئاب ليست “سببّية” و إنما علاقة “تصاحبية”…
و هنا نكتشف أننا مرة أخرى ضحية لما يسمى في علم النفس رؤية مُشوِّهه للواقع
Survival bias
و التي تعني أننا نعمم نظرتنا لمن حولنا و نحكم على الأمور بنظرة عمومية.. تكون نظرة مُشوِّهه للواقع تؤدي إلى ربط نمطي متعسف ما بين كل من يعاني مادياً أو دراسياً سينتحر و كل من كانت جميلة و مشهورة ستدمن المخدرات و تنتحر…!
الحقيقة أننا علينا أن ندرك أن الأرقام و الحوادث تفتح لنا بوابة على عوالم اخرى فننشغل بها عن من حولنا…
الأرقام و الحوادث تفتح لنا ملفات التحقيق…
تشعل الغضب داخلنا… و تشغلنا عن فتح قلوبنا لمن معنا و حولنا..
نحن بحاجة إلى التحقيق في ملفات غربة النفس و التمسك بكل ما يجعلنا نستيقظ صباحاً لنواصل الرحلة بسلام…