صدر حديثا للكاتب الدكتور الناقد علي عبد الظاهر علي عضو اتحاد الكتاب كتابه الجديد :
الألغاز الأدبية إبداع الطرح وعبقرية التلقي .
الذي يعد إضافة جديدة للمكتبة العربية وإحياء لفن الألغاز الأدبية .
تناول فيه بالدراسة جانبا من ذلك الكنز الكبير الذي تركه لنا أجدادنا العرب من ألغاز.
حيث ألقي فيه الضوء على براعة المبدع العربي في طرح الألغاز التي تستفز القريحة الطبيعية، وكذلك عبقريته في تلقي ذلك اللغز وحله.
كشف لنا في مقدمته عن السر في اختياره تلك الدراسة بأنه ولع بهذا الفن الأدبي ، حيث استهوته الألغاز، وبخاصة المطارحات اللغزية التي تبرز عبقرية المتلقي وبراعة العربي في فنون الرد، ودفعه الفضول العلمي إلى استكشاف آفاق جديدة في تلك الغوامض التي مازالت تحوي الكثير من الأسرار الفنية النفيسة التي لايزال كثير من دروبها أرضًا بكرًا .
لاحظ الكاتب أن الكتب التي تناولت الألغاز قديما وحديثا، إما أنها اقتصرت على التجميع والرصد فقط، أو تناولتها بالدراسة الفنية او شبه الفنية .
أما ما اختلفت فيه دراسة الدكتور علي عبد الظاهر عما سبقها وما تقدمه من جديد فهو:
اختصاصها بتناول عملية (التلقي) للمطارحات اللغزية . والربط بين الألغاز ونظرية المحاكاة ، تلك التي أغفلها الدارسون للغز الأدبي، والكشف عن أهمية دراسة اللغز من منطلق تلك النظرية، وكذلك الجمع بين أكثر من منهج فني علمي في دراسة الألغاز، حيث اتبع المنهج الوصفي التحليلي الذي يستقرئ النصوص الملغزة والكاشفة للحل مبرزاً عبقرية التلقي، كما اعتمد المنهج النفسي الذي يستفيد من قوانين علم النفس، وبخاصة الإدراك في تلقي اللغز الأدبي، وكذلك نظرية المحاكاة . ثم وضع رؤية تحليلة تفسيرية لعملية الإلغاز من منطلق المناهج والنظريات المتباينة، ومنها خرج الكاتب برؤية خاصة جديدة لألغاز المطارحات الأدبية تكشف أسرارها وجمالياتها وجوانب الإبداع والعبقرية في الطرح والتلقي .
كشفت لنا الدراسة أن المتلقي الذي يحل اللغز يفوق الإبداع إلى العبقرية، فما هي إلا نوع راق من الإبداع ، وتتأتى عبقريته من ناحيتين : الناحية الأولى فهم اللغز ومعرفة الإجابة ، والناحية الثانية الرد عليه بنفس الطريقة .
كما أبرزت الدراسة أن متلقي اللغز يستقبل اللغز المطروح بالإدراك الكلي فالإنسان كما يرى علماء النفس يدرك الكل اولا ثم الأجزاء، فيتلقى الفكرة كلها مجملة ، ثم تلي ذلك عمليات معرفية أخرى حيث يستشعر فراغ المعنى وخواءه، فإذا به يلتمسه من خلال قراءة ثانية تسترجع عودا على بدء النص في كليته، فيحدث لديه نوع من الاضطراب سببه ذلك الفراغ الذي يحتاج إلى ما يسده بإيجاد المقصود من العبارة (الحل) وهوما يعرف لدى علماء النفس بقانون الإغلاق فهو يريد أن يسد وأن يغلق ذلك الفراغ ولا سبيل إلى ذلك إلا بالحل .
فبعد أن يزداد التوتر الفكري والشحذ المعنوي لسد الفراغ يبدأ المتلقي في تنزيل النص ضمن سياقه التاريخي، فيخرج تلك المعلومات من غيابات الظلام في الجانب المظلم من الذاكرة كي تبرز إلى النور.
من خلال استقراء الكاتب المطارحات اللغزية وجد لها أغراضًا عدة، قام كاتبنا بتحليل هذه الأنواع وانطلق في هذا التحليل من خلال رؤيته التي تبدأ بطرح اللغز وتلقيه في ألغاز المطارحة من خلال المحاكاة، ولكي يصل إلى حبك تلك المحاكاة حبكة فنية فإن واضع اللغز يبدأ في اختيار الموضوع العام (المجال ) ثم الموضوع الخاص يليه تحديد الفكرة المراد وضع اللغز لها باستعمال وسائل التعمية التي يراها الملغز، ثم تحديد طريقة الصياغة النثر أو الشعر وبعدها يستطيع تكوين اللغز عن طريق تريتب وسائل الإعماء المختلفة التي تحاكي الشيء الملغز بما يوافقه من كلمات، تلك التي كونت في النهاية هذا اللغز .
أما بخصوص المتلقي فقد لاحظ أن مراحل تفسير النص تسير لديه بلحظة التلقي الذوقي التي يستشعر فيها غموضا في الرؤية والمعنى . ثم لحظة التأويل الاسترجاعي ، حيث بدأ العقل الباطن في استيعاب الفكرة ويبدأ في تأويل الرموز .يليها لحظة الفهم أو القراءة التاريخية التي تعيد بناء أفق الاستشراف لدى القارئ، ثم تبدأ العملية التالية وهي الرد فيصوغ عبارات الرد بما يتناسب وبلاغة اللغز، هذا إذا كان اللغز نثريا، أما إذا كان شعرا فإن المتلقي عليه استيعاب الوزن الموجود وضبط القافية التي تتناسب والمعنى، ثم الرد من خلال نفس الوزن والقافية بما يحاكي ما ألقي إليه من كلمات ملغزة .
وبعد فإن هذا الكتاب الهام يمثل صحوةً جديدةً لدراسة ميراثنا الأدبي العربي من وجهة جديدة، وإماطةً للثام عن خبايا ذلك التراث الفكري الجميل المشوق الذي يكشف عبقرية الإنسان العربي .
ويعد هذا الكتاب هو الكتاب الرابع للدكتور علي عبد الظاهر سبقه :
(ما أخفاه التاريخ) و(فن التدريس بالقصة) ، و(مزبلة التاريخ) .
وفي النهاية لا يسعنا إلا أن نقدم التهاني للكاتب الناقد راجين له السداد والتوفيق وأن يتحفنا بمزيد من المؤلفات .