أستاذ تخطيط التعليم بجامعة المنصورة
وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى السابق
يعانى التعليم في مصر من مشاكل عديدة منذ عدة عقود تتعلق بالمبانى المدرسية ، والمناهج، والامتحانات، وطرق التقويم، والكتاب المدرسي، والإدارة التعليمية بصفة عامة والإدارة المدرسية بصفة خاصة ، وكذا المعلم وطرق إعداده وتدريبه وتنمية قدراته قبل الخدمة وأثنائها ، الأمر الذي ينعكس سلبًا على المدرسة والمنهج والمعلم والطالب ، ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة التربية والتعليم بشكل ينهك موارد الدولة فى كثير من الأحيان ، والأموال التي ينفقها أولياء الأمور على الدروس الخصوصية وغيرها بشكل يهدد موارد الأسر ، إلا أن المحصلة النهائية غالبًا ما تأتى ضعيفة ومتواضعة ، وذلك لأساب عديدة منها أن عددًا كبيرًا من المدارس في مصر غير مؤهل لتقديم عملية تعليمية فعالة، كما أن المعلمين والقيادات الإدارية يعانون من قلة برامج التنمية التي تقدم إليهم وضعفها إن وجدت ، في مواجهة ثورة المعلومات والاتصالات والتطور العلمي والتكنولوجي السريع ، وانتشار مجتمعات المعرفة وسيادة ما تنتجه وتصدره من معلومات، ومعارف ، وتقنيات، وطرق حديثة فى العرض والتدريس ، وأساليب جديدة فى القياس والتقويم، وفى نظريات وأساليب الإدارة والقيادة والمنافسة.
وتتمثل مجتمعات المعرفة في تلك المجتمعات التي تتوافر فيها الإمكانات المادية والبشرية التي تمكن أعضائها من علماء وباحثين ومهتمين من تصميم نماذج المعرفة وتحليلها ونقدها وتنقيحها، ثم بنائها وإنتاجها ونشرها وإتاحتها، بما يساعد على خلق قيم جديدة ، وعدم التوقف عند مجرد تحقيق قيم مضافة لدى الأفراد والمجتمعات .
ويؤكد التقرير العالمي لليونيسكو الصادر فى عام (2005) تحت عنوان “من مجتمع المعلومات إلي مجتمع المعرفة ” أن المعرفة بفعل ثورة التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات قد أضحت العنصر الفاعل فى كل مناحي الحياة المعاصرة ، الأمر الذي أفرز معه إنجازات واكتشافات هائلة أدت إلي حدوث تحولات جذرية في طبيعة كثير من المجتمعات وخصائصها، وتحويل المعرفة إلى رهان جوهرى وأساسي فى إحداث التنمية الإنسانية ، كما يؤكد تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادر في (عام 2003) تحت عنوان “نحو إقامة مجتمع المعرفة في الوطن العربى” على أن المعالم الرئيسة لعملية الإصلاح المجتمعي لابد وأن تنتهى بإقامة مجتمعات للمعرفة في الوطن العربي وذلك لعدة اعتبارات يمكن إجمالها في الأتى:
* وجود قناعة على المستوى الدولى أن التحول إلى مجتمع المعرفة يعدالسبيل المضمون لإحداث تنمية إنسانية شاملة فى كافة محاورها .
*زيادة حدة المنافسة المبنية على امتلاك رأس المال المعرفي على المستويين الإقليمى والدولي .
* زيادة الحاجة فى العالم العربى إلي بناء اقتصاد عصري قائم على المعرفة وقادر على المنافسة في ظل تطبيق مبادئ اتفاقية الجات.
*زيادة أهمية رأس المال المعرفي والفكري في نمو الاقتصاد وتراكم الثروات على المستويين الإقليمى والدولى..
*زيادة أهمية رأس المال المعرفي فى الارتقاء بمستوى معيشة البشر من خلال الارتقاء بمستوى التعليم .
* تطبيق مبدأ حرية انتقال العمالة بين الدول في ظل تطبيق مبادىء اتفاقية التجارة العالمية على الخدمات .
*التطور الشرس للعولمة وانتشارها وزيادة التبادل الفكري على المستويين الإقليمى والدولى حتى صارت تجارة المعرفة هى التجارة الرابحة ، وبات التجار الأكثر حظًا هم تجار المعلومات .
*زيادة الحاجة في المنطقة العربية إلي توظيف رأس المال المعرفى على نطاق أوسع لتجنب أكبر قدر ممكن من آثار حروب الجيلين الرابع والخامس على المنطقة .
والسؤال الذى يطرح نفسه ها هنا :
وماذا سيحدث لو أن نظامنا التعليمى تخلف أكثر من ذلك عن الدخول في مجتمع المعرفة ؟!! ، كيحف سنتعامل مع التنافسية الدولية؟!!، وكيف سنتعامل مع قضية الأمن القومى العربى التي أصبحت على المحك في ظل تراجع المشروع العربي في التعليم والبحث العلمي مقابل المشاريع الإقليمية للدول غير العربية مثل إيران وتركيا وإسرائيل؟! ، وكيف سنتعامل أيضًا مع نواتج ومخرجات التطبيق العملي لمبادىء اتفاقية التجارة العالمية على الخدمات وفي مقدمتها التعليم والبحث العلمي ؟!!
الواقع أن هناك اعترافًا على المستوى الرسمي والشعبي بحاجة التعليم فى معظم الدول العربية وربما فى كلها إلى إصلاح وتطوير ، كما يوجد هناك اعتراف أيضًا أن إصلاح حال المعلم من حيث الإعداد العلمي، والتربوي ، والتدريب المهني، والاهتمام به ماديًا، واجتماعيًا ، ومعنويًا ، يأتي على رأس هذا الإصلاح انطلاقًا من نتائج دراسات علمية كثيرة مؤداها أن نجاح العملية التعليمية يعتمد بنسبة تفوق 50% على المعلم وحده وتتوزع النسبة المتبقية على المناهج ، والكتب ، والإدارة التعليمية ، والأنشطة التربوية ، والتقويم والامتحانات ، وغيرها.
وعلى الرغم من الاعتراف بالدور المهم للمعلم إلا أننا في الواقع ما زلنا نهمله ولا نوفيه حقه ولا نثق فيه، ونحمله مسئولية تدهور العملية التعليمية، بل والتربوية أيضًا ، وهكذا الحال منذ عقود ، الدولة تتظاهر بأنها تحترم المعلم وتقدر دوره وتوفيه حقوقه المادية والمعنوية ، والمعلمون بدورهم يتظاهرون بأنهم يؤدون دورهم في العملية التعليمية والتربوية بأمانة وشرف ونزاهة.
إن التحول إلى مجتمع المعرفة فى كل مكونات نظامنا آلتعليمى والبحثي صار أمرًا حتميًا ماسًا وضروريًا لحماية أمننا القومى سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا ، وكذا للحفاظ على وحدة الوطن وتماسكه وسلامة أراضيه ، وهذا الأمر يتطلب بالطبع الاهتمام برأس المال المعرفى والاعتماد عليه انطلاقًا من سيادة مبدأ (المعرفة في يد الكثرة ) وليس( الأموال في يد القلة ) وكذا الاعتماد عليه في إنتاج المعرفة في مؤسساتنا التعليمية ومراكزنا البحثية وتوظيفها واستثمارها كمورد اقتصادى متنامي لايتوقف بالنسبة لموازنة الدولة والمؤسسات والشركات.
وقد جاء فى تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادر في عام ( 2003) رؤية استراتيجية للدخول في مجتمع المعرفة تعتمد على مجموعة من المبادئ، تتضمن : إطلاق حرية الرأي والتعبير ، ونشر التعليم والارتقاء بنوعيته، وتوطين العلم والتكنولوجيا ، وتطوير القدرات الذاتية في التعليم والبحث العلمى ، هذا بالإضافة إلى إقامة نموذج معرفي عربي منفتح على الثقافات الأخرى ومستنير يعتمد على صحيح الدين ويبتعد عن الخرافات والخزعبلات وتوظيف الدين لتحقيق أهداف سياسية وتخريبية،
ولكن يظل السؤال الذي يطرح نفسه أيضًا ها هنا:
وماذا فعلنا بعد عام (2003) وسقوط بغداد ومن قبلها الصومال، وتنامي الدور الإيراني والتركي والإسرائيلي فى المنطقة بشكل مرعب وغير مسبوق في كافة مناحي الحياة إعتمادًا على التقدم الذى تم إحرازه في هذه الدول فى مجالى التعليم والبحث العلمي ؟ الحقيقة أننا بالرغم من امتلاكنا لكل مقومات نجاح مثل تلك الاستراتجية من عقول وأرض وأسواق ورؤس أموال لم نحقق شيئًا يذكر بسبب تراجع وربما تدهور نظمنا التعليمية وتشرزم سياستنا البحثية.