الدكتور عادل عامر
يهدف مشروع قانون البنك المركزي الجديد إلى تعزيز حوكمة واستقلالية البنك المركزي، بما يكفل تفعيل دوره وتحقيق أهدافه في ضوء الضوابط الدستورية الخاصة بالهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، أن القانون ينظم أوجه التنسيق والتعاون بين البنك المركزي والحكومة والجهات الرقابية على القطاع المالي.
وجعل دور البنك المركزي، في توفير السيولة الطارئة لمساعدة البنوك، والعمل على دعم المصارف المملوكة للدولة، كما يهدف القانون إلى نشر البيانات المالية للبنك المركزي، بجانب وضع إطار إشرافي للتدخل المبكر والتسوية للبنوك.
اعطي مشروع القانون الجديد أهمية كبيرة للتطورات التكنولوجية الدولية على الصعيد الاقتصادي، حيث احتوى في بعض مواده على وضع الأطر القانونية لتنظيم وتداول العملات الرقمية، ووضع قواعد المنافسة العادلة ومنع الاحتكار، وحماية حقوق العملاء في الجهاز المصرفي.
وشملت مواد القانون، أن البنك المركزي، شخص اعتباري عام، يتبع رئيس الجمهورية، ويصدر بنظامه الأساسي قرار من رئيس الجمهورية، ويجوز لمجلس إدارة البنك المركزي بالاتفاق مع وزير المالية، تجنيب نسبة ممن الأرباح السنوية الصافية لزيادة رأس المال، كما يجوز لمحافظ البنك المركزي، بالاتفاق مع وزير المالية زيادته مباشرة بإسهام من الخزانة العامة، وتعتبر أموال البنك المركزي أموال خاصة.
مع ذلك، قد يُفهم للوهلة الأولى من تعبير (الاستقلالية) انه يعني الاستقلال التام للبنوك المركزية عن الحكومة من ناحية إدارة السياسة النقدية والائتمانية أو الهيكل التنظيمي. غير ان هذا التعبير لا يعني الانفصال التام بين الحكومة و البنك المركزي، لأن هذا الأخير ليس سوى مؤسسة تعمل في الإطار المؤسسي للدولة،
ولكن تعني استقلالية البنك المركزي ان تكون قرارات البنك، وخصوصا فيما يتعلق بالسياسة النقدية، مستقلة وان تكون هذه السياسة متسقة إلى حد كبير مع السياسة الاقتصادية العامة للدولة. كما تعني الاستقلالية ان يكون البنك المركزي مفوضاً وحده بالعمل على تحقيق استقرار الأسعار، وان يتمتع المسؤولون الرسميون في البنوك المركزية بالاستقلالية، خصوصا فيما يتعلق بتعيينهم وعدم الاستغناء عن خدماتهم قبل انتهاء المدة المحددة لهم في القانون، وان يتمتع البنك المركزي بالاستقلال المالي أيضا
لذلك فكان لابد من خلق كيانات مؤسسية مسؤولة… لذلك سوف يدفع القانون الجديد شركات الصرافة للالتزام بشكل أكبر خوفاً من إغلاقها وتجميد رأس مالها الضخم”. ومن المتوقع ان تشهد شركات الصرافة موجة من الاندماجات فيما بينها خلال الفترة المقبلة لتلبية متطلبات القانون الجديد. لأنها تهدف إلى الحفاظ على استقرار النظام المالي وتنسيق الجهود لتجنب حدوث أي أزمات مالية وإدارتها في حال حدوثها.
يُلزم القانون الجديد البنوك العاملة في السوق المصرية إلى زيادة رؤوس أموالها بنحو عشرة أضعاف ما يحدده القانون الحالي. لان القانون الجديد حدد رأس مال البنوك بـ5 مليارات جنيه بدلا من 500 مليون جنيه في القانون الحالي، وأن فروع البنوك الأجنبية ستحتاج إلى 150 مليون دولار بدلا من 50 مليون دولار.
تهدف هذه الخطوة إلى زيادة صلابة وكفاءة القاعدة الرأسمالية للبنوك في مواجهة المخاطر المحتملة، كما ستعزز من قدرتها على المنافسة مع البنوك الأخرى إقليميا وعالميا.
ويهدف مشروع القانون تقوية الجهاز المصرفي ليتوافق مع رؤية الدولة فيما يتعلق بجلب الاستثمارات وتمويل المشروعات القومية والبنية التحتية. لان مشروع القانون الجديد يراعي متطلبات لجنة “بازل 4” والتي من المقرر أن تبدأ البنوك في تطبيقها عقب الانتهاء من متطلبات “بازل 3” خلال العام 2019
وذلك لرفع كفاءة الجهاز المصرفي. وبخاصة انه يوجد في السوق المصري 33 بنكًا وخمسة فروع أجنبية، منها ستة بنوك فقط لديها رأس مال يفوق متطلبات القانون الجديد. ويحتاج 27 بنكًا إلى زيادة رأس ماله بالإضافة إلى فروع البنوك الأجنبية من أجل تلبية متطلبات القانون إذا ما كان سيُقر بشكله الحالي.
وتشمل قائمة البنوك المتوافقة مع القانون المصرفي الجديد: “البنك الوطني المصري، بنك مصر، البنك التجاري الدولي، بنك قطر الوطني الأهلي، البنك العربي الأفريقي الدولي، المصرف العربي الدولي.
واستثنى القانون الجديد البنوك التي تباشر أنواع محددة من الأعمال المصرفية وتركز على تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة من شرط الحد الأدنى لرأس المال بهدف تشجيع التكنولوجيا المالية والتيسير على البنوك المتخصصة في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمعروفة بـ “Tier 2 banks“-
سوف يشهد قطاع البنوك موجة من الاندماجات والاستحواذات بين البنوك الصغيرة خلال الفترة المقبلة لتلبية شروط القانون الجديد فيما يتعلق بالحد الأدنى لرأس المال. لان يكون هناك عدد كبير من البنوك معظمها ضعيفة أمر ليس له معنى أو جدوى. ، وسوف تسهم زيادة رؤوس أموال البنوك في مواجهة التأثير على معيار كفاية رأس المال للقطاع المصرفي. لان “معظم البنوك المصرية لها نسبة تعرّض كبيرة للاستثمارات قليلة المخاطر.
ونتوقع زيادة في نسبة تعرّض البنوك للأصول المرجحة لأوزان المخاطر نظراً لزيادة قروض القطاع الخاص، ما سيؤثر على معاير كفاية رأس المال؛ لذا كان قرار زيادة رؤوس أموال البنوك مهم لتستطيع هذه البنوك التوافق مع التغيّر الذي ستشهده البيئة المصرفية الفترة المقبلة”. ومعيار كفاية رأس المال هو أداة لقياس ملاءة البنك أي قدرته على مقابلة التزاماته ومواجهة أي خسائر قد تحدث في المستقبل، بهدف حماية البنك والمودعين والمقرضين الأخرين. وينص القانون الجديد أيضا على إنشاء صندوق لدعم وتطوير الجهاز المصرفي، يختص بالعمل على تطوير البنوك، وتتكون موارد الصندوق من نسبة لا تزيد على 1% من صافي الأرباح السنوية القابلة للتوزيع في البنوك المسجلة لدى البنك المركزي.
ونظم مشروع القانون الجديد أوجه التعاون بين البنك المركزي المصري مع الجهات الأجنبية المناظرة، بهدف التنسيق وتبادل المعلومات تفعيلا لمبدأ الرقابة المشتركة، يشمل ذلك إبرام مذكرات التفاهم والمشاركة في المجموعات الرقابية أو مجموعات تسوية أوضاع البنوك المتعثرة والتأكيد على حماية سرية البيانات المتبادلة.
أمّا فيما يتعلق بشركات ومكاتب الصرافة، فقد رفع مشروع القانون رأس مالها بنحو 5 أضعاف لتصل إلى 25 مليون جنيه كحد أدنى مقارنة بـ 5 ملايين جنيه في القانون الحالي. ويفرض القانون رقابة صارمة على شركات الصرافة أو تحويل الأموال. وسوف يخلق القانون الجديد كيانات قوية من شركات الصرافة قادرة على المنافسة في السوق. لان “البنك المركزي عانى في الفترة التي سبقت قرار تعويم الجنيه عام 2016 من شركات الصرافة بسبب كثرة المخالفات التي مارستها الشركات الصغيرة.
ويتضمن مشروع القانون تعريفا واضحا لأول مرة للنقود الإلكترونية والمشفرة، بينما حظر إنشاء أو تشغيل منصات إصدار أو تداول هذه العملات بدون الحصول على التراخيص اللازمة مسبقاً. ومنح القانون البنك المركزي حق إصدار قواعد تنظيم وتداول والتعامل بتلك النوعية من العملات والنقود. فأعتبر القانون الجديد جاء ليواكب التطورات التكنولوجية على صعيد الخدمات المالية والمصرفية. وسينقل القانون الجديد الجهاز المصرفي المصري لأن تكون جميع معاملاته إلكترونية من خلال ما يُسمى بالبنوك الافتراضية.
ويضمن مشروع قانون البنوك الجديد، تطبيق أفضل الممارسات الدولية والنظم القانونية للسلطات الرقابية المناظرة في مختلف دول العالم، وتوفير الضوابط لإحداث نقلة في الأنشطة المصرفية في مصر، وتحقيق الشمول المالي اعتمادا على التكنولوجيا المالية بما يسهم بشكل أكبر في رفع معدلات النمو الاقتصادي.
وارتكز مشروع القانون، على عدة مرجعيات أساسية أهمها أفضل الممارسات الدولية للبنوك المركزية، وتوصيات الخبراء الدوليين والمتخصصين في قوانين البنوك، والقواعد الدولية للحوكمة خاصة تلك الصادرة عن لجنة بازل ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وتضمنت مواد قانون البنوك الجديد، تعزيز الاستقلال الفني والمالي والإداري للبنك المركزي، وتقوية السلطات الرقابية به، وتطوير وتحديث الجهاز المصرفي وتدعيم قدراته، والعمل على منع تضارب المصالح، وتكريس مبادئ الشفافية والإفصاح والمساواة وتعزيز الشمول المالي، كما روعي توحيد النظام القانوني الذي تخضع له البنوك.
ويتضمن القانون الجديد للبنك المركزي، عدة مواد تهدف إلي الحد من التمويل النقدي للعجز، والتأكد من أن إقراض البنك المركزي للبنوك، يأتي على المدى القصير ولدعم السيولة، على أن يتم التخلص منه تدريجيًا، وأن يعمل البنك المركزي على تحقيق الاستقرار في الأسعار وسلامة النظام المصرفي في إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة، ويختص البنك المركزي بوضع وتنفيذ السياسات النقدية والائتمانية والمصرفية.
وشملت مواد القانون، أن يتخذ البنك المركزي الوسائل التي تكفل له تحقيق أهدافه والنهوض باختصاصه، وله على الأخص، إصدار أوراق النقد وتحديد فئاتها ومواصفاتها، وإدارة السيولة النقدية في الاقتصاد القومي، وله أن يصدر الأوراق المالية بما يتناسب مع طبيعة أمواله ونشاطه والدخول في عمليات السوق المفتوح، والتأثير في الائتمان المصرفي بما يكفل مقابلة الحاجات الحقيقية لمختلف نواحي النشاط الاقتصادي، والرقابة على وحدات الجهاز المصرفي.