لم تكن شجرة التين قد جاوزت العقد الثالث من العمر، بالقرب منها تصطف شجيرات الحور كما طابور مدرسي، تندس بينها اثنتان من شجر الصفصاف دون أن تستأذنها، خم الدجاج يقبع على الطرف الآخر، ديكة ودجاجات بألوان تجتاح الريش الناعم، بينما البقرة وابنتها تتهامسان في سكون .
– هيا يا أم عمران … سيأتي مؤذن الجامع ليفطر عندنا اليوم …
– إذن سوف تضحي بأحد الديكة كعادتك …
– أكيد … فهو يحب لحم الدجاج … وبعدها يقرأ الفاتحة …
انطلق أبو عمران إلى الخم القربب في زيارة غير ودية هذه المرة.
– ليس دوري … ليس دوري …
صرخ الديك الأحمر، أما صاحبه المقرب فقد اختبأ خلف حزمة من القش .
– ولا أنا … أرجوك دعني يا أبا عمران …
– لا تخافوا … لا أريد أيا منكم … ثم ابتسم خلسة .
نظر إليهم بعينيه الثاقبتين كرصاصة حمقى، اقترب منهم، رش بعض حب من قمح كان يحمله بيده، تدافع الديكة والعصافير أيضا، لم يظن أي واحد منهم بأن يدي أبو عمران سوف تلتهمه للتو، لحظات قصيرة وكان ديك أبيض مزنر بالأحمر يصرخ في وجهه …
رمى بنظرة أخيرة صوب أصحابه ثم استسلم لقدره .
كانت النار تحتفل ( بالطنجرة ) النحاسية، بينما العرق يتصبب على جبين تلك الأنثى، تعالت رائحة لحم الديك الأبيض ( سابقا طبعا ) ، يالها من رائحة لذيذة، ضاعت ذات يوم بين الأزقة السوداء .
البرغل أيضا يمنح الرائحة نكهة أخرى …
حصيرة قديمة، ووسائد من القش، إبريق الشاي، وشراب التمر، وربما أشياء أخرى أصبحت جاهزة هناك، فقط بقي أن يصل مؤذن الجامع .
– هيييييه … يا أبو محمد تفضل … تفضل … سيأتينا مؤذن الجامع …
– سأرتدي ( الجلابية ) وأتي إليكم يا جار …
اجتمع الجميع على المائدة، صوت تراتيل يأتي من بعيد، طفل صغير يعبث بلحية المؤذن، كان يداعبه ربما …
– ياجماعة لقد أظلمت الدنيا ولم نسمع الآذان … نريد أن نفطر …
– أي والله يا أبا عمران فأنت ( عطشان ) جدا …
نظر الجميع إلى الأفق، صرخ الطفل ببراءة : ( كيف ستسمعون ومؤذن الجامع هنا ) …
————
٢٨ رمضان/ ١٤٤٠