بقلم /الدكتور علي عبد الظاهر الضيف
أنصف البعض قائلاً :
مصر ليست دولة تاريخية.. مصر جاءت أولا ثم جاء التاريخ ثم جاء العرب ثم جاء بنو إسرائيل.
حين تحدث الله تعالى عن بلاد العرب قال ” تلك القرى”… وتحدث عن مصر فقال ” فأرسل في المدائن حاشرين”
أي إنه عندما كان العرب يسكنون الخيام والعراء ويطلق على بلادهم قرى كانت مصر مدناً عظيمه بكل ما تحمل كلمة مدينة من معنى في الرقي والتحضر والعلم والمعرفه والنظافة والقوة العسكرية والاقتصاد.
وعندما كان الأوروبيون يعيشون في الكهوف ولا يعرفون أدنى درجات الحضارة ويعيشون عيشة الغاب كانت مصر دولة بمعنى الكلمة : شرطة وقضاء وقوانين ونظم ..
نحن أحفاد الملوك و الملكات عرفنا الإله الواحد من قبل العالم، نحن أول الموحدين أول من كتب بالقلم علي يد النبي إدريس نحن موجودون من عصر أول الرسل نوح، فعندما رأي سيدنا نوح عليه السلام صلاح وعزة ونعم مصر دعا لها وقال عنها: “أم البلاد وغوث العباد”
أعجبتكم المقولة ؟
ما هي إلا سرد لحقائق تناسيناها.. ولكن التاريخ لا ينسى !
ما أغفلته الفقرة السابقة أن مصر دولة تستطيع أن تحتل مركز الريادة في أقصر وقت ممكن مقارنة بغيرها لا لشيء إلا أننا لا نخلق شيئا من عدم فما هو إلا تجديد في الرؤية واستعادة لفكر راق بعمل ما يشبه (restart) لعقلية تكونت عبر آلاف السنين
والتاريخ يشهد على ذلك :
ففي فترة وجيزة جدا استوعبت مصر حضارة أوروبا وتحولت إلى ما يشبه المدنية الأوروبية في عهد محمد علي وأحفاده .. محمد علي كانت لديه الرغبة في جعل مصر دولة عظمى في فترة وجيزة جدا رغم أنه لم يفعل ذلك لأجل عيون المصريين إنما لبناء مجد شخصي له وتلبية لطموحاته الخاصة، لكن ما يهمنا هو ذلك الشعب العظيم وتلك الدولة التي استوعبت فكرة الحضارة فتمثلتها وأصبحت قوة عظمى في خلال ٣٠ سنة للدرجة التي جعلت أوروبا تخشى سطوة مصر فاجتمعت كلها لضرب الجيش المصري والقضاء على طموحات مصر، فما كانت أوروبا لتسمح بذلك، ولم تستطع القضاء على جيش مصر وأسطولها إلا باتحاد أقوى جيوش العالم ضد مصر وحدها !
أولاد محمد علي عشقوا مصر وأكملوا كثيرا من مسيرة أبيهم في بناء دولة حديثة متقدمة فكانت الترجمة والصحافة والتعليم والجامعات بنهضة ثقافية علمية، فأصبحت مصر في عهدهم لا تقل حضارة عن دول أوروبا وكانت أمنية الكثير من الأوروبيين العمل في مصر !
وعلى سبيل المثال :
بعد إنشاء السكك الحديدية في أوروبا كانت مصر سباقة إلى أن تكون الدولة الثانية على مستوى العالم في إنشاء السكك الحديدية في عهد الخديوي عباس .. فقد أنشئ أول خط سكك حديد في مصر بين القاهرة والإسكندرية، في عام 1856م، وبدأ العمل فيه منذ 1851م، بعد اتفاق موقع بين عباس باشا حاكم مصر والمهندس روبرت استيفنس (ابن مخترع القاطرة البخارية) .
ويعد خط سكك حديد مصر الأول في قارة أفريقيا والشرق الأوسط والثاني في العالم بعد دولة إنجلترا وكان نظام تشغيله غاية في الدقة والنظام . والخدمات فيه على أعلى المستويات العالمية ويكفي أن تشاهدوا أفلام الثلاثينات والأربعينات كي تقفوا على مستوى قطارات السكك الحديدية الذي لا نحلم بربعه الآن .. مصداقا لمقولة : نحن الدولة الوحيدة في لعالم التي إذا أرادت أن تتقدم .. ترجع إلى الوراء .. يا للأسى !
ثم ….
انتكست الأمة المصرية وضرب الإهمال بجذوره في شتى نواحي الحياة للدرجة التي أصبحت فيها أعداد ضحايا حوادث القطارات تفوق عدد شهداء مصر في كل حروبها .. فالداخل مفقود والخارج مولود !!!!
ومن هنا أقدم بعض النصائح لمرتادي السكك الحديدية المصرية في سفرهم برحلة المجهول :
أولا :
ممنوع ركوب القطار أو التواجد في المحطة لمن هم أقل من ٦٠ سنة (كفاية كده شبعوا من الدنيا )
ثانيا :
نطق الشهادتين بمجرد نزول المحطة .
ثالثا :
التوبة إلى الله وصلاة ركعتين صلاة مودع
وللمسيحيين زيارة الكنيسة لأداء الصلاة قبل التوجه للمحطة .
رابعا :
كتابة اسمك ورقم تليفونك على اليد وفِي ورقة صغيرة في الجيب (تحسبا لاحتراق اليد او قطعها).
خامساً:
بقدر الإمكان لا تأخذ معك أوراقا مهمة أو أموال فعائلتك أولى بها بعد موتك وللنساء ممنوع لبس الذهب فتكفي دبلة واحدة فقط .
سادسا :
ترك الوصية للوالدين والأقارب وإرسال رسالة صوتية لهم بالواتساب لتوديعهم (هايوحشهم صوتك) .
والأفضل لو تسدد ما عليك من ديون قبل السفر
سابعاً :
قم بشراء طفاية حريق صغيرة للاستخدام الشخصي والبعد عن ارتداء البولي استر لأنه يشتعل سريعا .
ثامناً:
للمسلمين : خذ معك مصحفا واقرأ فيه طوال الطريق وللمسيحيين : لا تترك الكتاب المقدس من يدك.
هذه التعليمات لابد من وضعها في الاعتبار عند السفر ، فالموت بالسكك الحديثة له طرق متعددة ما بين انفجار القطار أو انقلابه أو خروجه خارج الغضبان أو احتراقه أو اصطدامه.. إلخ
وكل أنواع الموت موجودة حرقا أو تقطيعا أو منفجراً .
تحول الفساد إلى أخطبوط ذي أذرع تمتد لتصل لجميع مؤسسات الدولة’ وساعده على ذلك مرض اللامبالاة والإهمال وشيوع روح الاتكالية والتخلص من المسؤولية إضافة إلى قلة الوعي التي صارت أشد ما يحول بيننا وبين التقدم .
إنني لا أتحدث هنا عن كارثة محطة قطار رمسيس على وجه الخصوص فالكلام عنها يطول ويطول والحديث ذو شجون، فالمتسبب معروف وسلوكيات الموظفين لدينا تحتاج فكرا جديدا بعقلية جديدة
ومن قبله قطار الصعيد الذي احترق مخلفاً وراءه آلاف القتلى .
المصري رخيص لا ثمن له وما أصبح رخيصا إلا لأنه رخص نفسه !
رخص نفسه حين سكت على الفساد وحين تساهل في أمور ما كان ينبغي أن تمر مرور الكرام ورخص نفسه حين خضع لبعض الفشلة الذين يرضون بأنصاف الحلول أو الحل بالمسكنات التي لا تسمن ولا تغني من جوع .. حين أصبح ترسا في آلة بيروقراطية بلا إبداع وبلا تشغيل المخ في حلول خارج الصندوق فقد استكان إلى ذلك الصندوق الذي علاه الصدأ وعفا عليه الزمن وارتاح داخله ولم يخرج منه ..
رخص نفسه حين تغاضى وحين تغافل وحين أغمض عينية وحين رضي بالدنية وهو حفيد الملوك والملكات ويدين بدين العزة والكرامة.في الحقيقة … سيظل الوضع على ما هو عليه إلى أن نقف مع أنفسنا وقفة لنتساءل :
إلى متى ؟