بقلم الدكتور / على عبد الظاهر الضيف
نعود إليكم ونفتح المزبلة مرة أخرى كي نطلع على ما فيها من شخصيات عفنة استحقت مكانتها بتلك المزبلة والتي عانت الأمة منها وأريقت دماء المسلمين بسببها فأرجو أن تسدوا أنوفكم وأعيروني آذانكم.. اليوم موعدنا مع :
الحاكم بأمر الله
أغرب حاكمٍ لبلد مسلم على مر التاريخ، والذي جمع بين كل المتناقضات والمتضادات في آن واحد وصار يُضرب به الأمثال في التخريف واللامعقول.
هو الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور الفاطمي الضال المضل، الزنديق مدعي الألوهية، سادس من تولى من خلفاء الدولة الفاطمية، ولد سنة 375هـ، وتولى الأمر بعد وفاة أبيه العزيز بالله سنة 386هـ، وكان في الحادية عشرة من العمر، فدبر شئونه رجال أبيه «براجون» و«الحسن بن عمارة» فلما اشتد ساعد الحاكم قتلهما حتى لا يشاركه أحد في الحكم، وكان عمره خمسة عشر عاما !
كانت شخصية الحاكم متناقضة، متضادة، وكان كثير التلون في أفعاله وأحكامه وأقواله، ولذا تميز عهده بغرابة أطواره، والذي تمثل بإصداره للعديد من القوانين الغريبة مثل تحريمه أكل الملوخية، وأمره الناس بالعمل ليلًا، والنوم نهارًا.
وكان الحاكم لأمر الله جبارًا عنيدًا، وشيطانًا مريدًا، كثير التلون في أقواله وأفعاله، ولم تقتصر تناقضات وخرف الحاكم على المسلمين فقط، بل امتدت لأهل الكتاب، فقد أمر سنة 398هـ بتخريب كنيسة القيامة ببيت المقدس، وأجبر اليهود والنصارى على الدخول في الإسلام أو الرحيل عن البلاد، فهاجر كثير منهم إلى أوروبا وبيزنطة، ثم عاد وأباح لهم الرجوع لدينهم وتعمير كنائسهم التي خربها وقال مبررًا ذلك: «ننزه مساجدنا أن يدخلها من لا نية ولا نعرف باطنه.
أمر الشعب بسب صحابة النبي ابو بكر و عمر و غيرهم و زوجة النبي عائشة بل و كتابة السباب علي جدران المساجد و فجأة بعد اربع سنوات امر بمسح السباب بل و نهي عن سب الصحابة ايضا .
ومن قبائح الحاكم بأمر الله أنه بنى المدارس، وجعل فيها الفقهاء والمشايخ ثم قتلهم وخربها، وألزم الناس بإغلاق الأسواق نهارًا، وفتحها ليلًا، فامتثلوا ذلك دهرًا طويلًا .
وحرم اكل الملوخية وحرم لبس الأحذية للنساء فكانت المرأة مرغمة أن تسير حافية
وكان الحاكم بأمر الله يعمل الحسبة بنفسه يدور في الأسواق على حمار له، وكان لا يركب إلا حمارًا، فإذا وجد رجلا يغشَّ في الميزان أمَرَ عبدًا أسودَ معه أن يفعل به الفاحشة العظمى !!
كان الحاكم يروم من وراء أوامره المتضادة اختبار الناس ليرى مدى استعدادهم لطاعته ومنتهى هذا الخضوع والطاعة، فلما رأى أنهم يطيعونه في كل شيء بدأ يدعو الناس لعبادته من دون الله، وتأليه ذاته الخبيثة، وذلك بمساعدة رجلين من الفرس: الأول محمد بن إسماعيل الدرزي، والثاني الحسن بن حيدرة الفرغاني، فأنشأ مركزًا لإعداد وتوجيه دعاة الإسماعيلية أسماه «دار الحكمة»، ثم بدأ في الجهر بدعوته الكفرية فأمر الرعية إذا ذكر الخطيب اسمه على المنبر أن يقوموا على أقدامهم صفوفًا إعظامًا لذكره، وكان يُفعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين، وقد أمر أهل مصر على الخصوص، إذا قاموا خروا سجودًا، حتى أنه ليسجد بسجودهم من في الأسواق من الرعاع وغيرهم ممن كان لا يصلي أصلاً.
ورغم أفعاله الشريرة الكثيرة فقد حرم الخمر، ومنع النساء من الخروج والاختلاط بالرجال بالأسواق. وله في ذلك أخبار طريفة ونوادر عجيبة.
وقد كرهه الناس لشذوذ أفعاله وذات مرة كتبوا رسالة بالشتم فيه وعملوا تمثال امرأة من ورق بملابسها وإزارها، وفي يدها لفافة ورق فيها من الشتم شيء كثير، فلما رآها ظنها امرأة، فذهب من ناحيتها وأخذ الورقة من يدها، فلما رأى ما فيها غضب، وأمر بقتلها، فلما وجدها من ورق، ازداد غضبًا وأمر العبيد أن يحرقوا مصر، وينهبوا ما فيها من الأموال والحريم، ففعلوا، وقاتلهم أهل مصر قتالًا عظيمًا ثلاثة أيام، وفأشعلوا النار في بيوت الأهالي واجتمع الناس في الجوامع، ولجأوا إلى الله واستغاثوا به، وما انجلى النهار حتى احترق من مصر نحو ثلثها، ونهب نحو نصفها، وسبي حريم كثير، وفُعل بهنَّ الفواحش).
واشتهر الحاكم باستسهاله سفك الدماء، وقدر بعض المؤرخين عدد قتلاه بحوالي ثمانية عشر ألف قتيل، فكان يفتك دائمًا بوزرائه، ويقتلهم شر قتلة، فيعين أحدهم في منصبه ثم يقتله، ويعين آخر، فلا تمضي فترة بسيطة إلا والمعين الجديد يتخبط في دمه، وقد قتل من العلماء والكتاب ووجهاء الناس ما لا يُحصى عدده.
تمادى الحاكم بأمر الله في طريق الضلال، وفي سنة 408هـ قدم مصر داعٍ عجمي اسمه محمد بن إسماعيل الدرزي، واتصل بالحاكم، فأنعم عليه، ودعا الناس إلى القول بألوهية الحاكم بأمر الله، فأنكر الناسُ عليه ذلك، ووثب عليه أحد الأتراك، ومحمد في موكب الحاكم، فقتله، وثارت الفتنة، فنهبت داره، وأغلقت أبواب القاهرة، واستمرت الفتنة ثلاثة أيام قتل فيها جماعة من أتباع الدرزي، وقبض على التركي قاتل الدرزي، وحبس ثم قتل.
ثم ظهر داعٍ آخر اسمه حمزة بن أحمد، وتلقب بالهادي، وأقام بمسجد خارج القاهرة، ودعا إلى نفس دعوى الدرزي، وبث دعاته في مصر والشام، وترخص في أعمال الشريعة، وأباح الأمهات والبنات ونحوهن، وأسقط جميع التكاليف في الصلاة والصوم، ونحو ذلك، فاستجاب له خلق كثير، فظهر من حينئذ المذهب الدرزي ببلاد صيدا وبيروت وساحل الشام.
أما نهايته فهي لا تقل غرابة عن أفعاله :
إذ أنه صعد جبل المقطم في ليلة ليتابع السماء بمرصده ليختفي بعدها الي الابد , يؤمن الذين يقدسونه ان الله رفعه الي السماء و لكن السيناريو الاوقع لاختفائه هو أن أخته الكبرى ست الملك تآمرت علي قتله نظرا لأنه اتهمها في شرفها لتحجيم سلطاتها خشية الانقلاب عليه فتأمرت علي قتله انتقاما و الدليل علي ذلك انها سارعت في تولية ابنه خلفا له و لم تبالغ في مظاهر الحزن علي الخليفة الراحل.
وقيل غير ذلك .. ولم تظهر جثته ولم يظهر حتى الآن !!