المحظية في اللغة ، هي إمرأة تُفَضَّل علي غيرها في المحبة وبالأخص عند من يملكون السلطة ، والسلطة هنا بمفهومها الواسع، أي من يمتلك القدرة علي السيطرة سواء عن طريق السلطة الفعلية أو المال، وتبقي تلك الشخصية علي مر الزمان محط أنظار الجميع، قد تكون جميلة وتُحْظي لجمالها، وقد تكون شديدة الذكاء فتستطيع التغلب علي قلوب الضعفاء من الرجال ، فتصل إلي مبتغاها بسهولة ويسر.
انتشرت علي مر العصور وفِي مختلف دول العالم ، ومازالت تحتفظ بدورها، وفقاً لقواعد الكبار في السيطرة علي مجريات الأمور، شخصية المحظية تختلف باختلاف المكان والزمان والعصر، وكل امرأة محظية تستطيع أن تستخدم جميع أسلحتها للاحتفاظ بتلك المكانة التي تفتح لها الأبواب المغلقة.
وقد تكون علي غير قناعة لما تفعله ولكن تجبرها الظروف أحياناً علي القبول بهذا الدور في الحياة، خوفاً من بطش الرجل المسيطر ، علي نفسها أو علي ذويها .الغريب في الموضوع أن هذا الدور يتناقض مع ديننا الحنيف الذي شرع الزواج بأكثر من واحدة، ولكن تبقي المحظية محتفظة بمكانتها ضرباً بعرض الحائط بكل ما نزلت به الشرائع الإلهية.وهي في الحقيقة تكشف ضعف الرجل وغروره في ذات الوقت، فمن يفكر في وجود محظية في حياته وهو متاح له وفقا للأديان أن يتزوج بإمرأة تشاركه في حياته وذكرياته بكامل إرداته لابد وأن يكون مصاباً بداء الامتلاك والسيطرة، أو ربما يكون مريضاً بداء العمل في الخفاء.
وقد تُفتَح للمحظية جميع الأبواب التي تُغلق في وجه الزوجة، وتنتقل الزوجة حينذاك إلي مكانة هامشية شكلية في حياة زوجها، ربما لاختلاف دور الزوجة عن دور العشيقة ،فالعشيقة تتحمل تقلبات الرجل وتروضه، ليس حباً فيه إنما لمصلحة ما تستغله للوصول إليها، وربما خوفاً منه ومن جبروته، ولكن في النهاية تبقي المحظية هي المرأة التي يلتهمها الرجل كما يلتهم الجائع فريسته، أو ربما تكون المرأة التي يتعري أمامها الرجل ويُظهر وجهه الحقيقي من الضعف، وهو الوجه الذي يحاول حجبه عن الآخرين.
تشهد العصور المختلفة علي الصراع الدامي بين الزوجة والمحظية، ومحاولة كل منهما التخلص من الأخري لتنفرد بمكانتها وحدها وتتربع علي عرش قلب الرجل، وأحياناً يحدث ذلك من باب السيطرة وليس الحب، فالزوجة تتنقل عبر مراحل مختلفة من حب ورغبة إلي ملل ورفض للواقع، إلي إستسلام أو إنتقام، والبقاء دائما للأذكي والأكثر صبراً، إلا إذا تدخلت العناية الإلهية لتطبيق العدالة الربانية وإنقاذ المظلوم في تلك الدائرة المغلقة.
للزوجة حسابات وللمحظية حسابات أخري، قد تخاف الزوجة علي أولادها فتنتقم لأجلهم أو تتعايش في صمت وقهر خوفاً من المجهول، أو لمصلحة ما تربطها بذلك الرجل الذي يحظي بمحظيته.والسينما المصرية والعالمية أبرزت منذ بدايتها وحتي اليوم ، الصراع الدائم والقائم بين أفراد تلك الدائرة المغلقة.
ما يُحزن حقاً هو دور الرجل في تلك المنظومة والذي أراه إلي حد كبير دور إنهزامي فهو ضعيف أمام رغباته ، مهما بلغت قوته، أو مريض يستحق الشفقة، فمن لا يستطيع إحترام أسرته، والحفاظ علي بيته ومعتقداته ، يستحق الشفقة علي مصيره المظلم، مهما ظهرت قوته وسيطرته تنتهي قصته دائماً نهاية مؤلمة.
الملفت في تلك القصة هو الظلم الواقع علي غير المحظية، من تحاول أن تشق الحياة دون خروج عن النص الشرعي، فتُغلق أمامها الأبواب، أو يتم ملاحقتها بشكل مفزع لإجبارها علي الدخول إلي تلك الدائرة المظلمة، فإما أن تصبر وتحتسب وتحاول النجاة بنفسها، وإما أن تتحول دون أن تشعر إلي محظية للوصول إلي أحلامها.
ويبقي الصراع دائماً بين الفضيلة والفجر، ويبقي الرجل هو البطل الأول والأخير في توارث هذا الدور عبر الأجيال، أو المقاومة للقضاء عليه والرجوع إلي الشرائع السماوية.
وفِي النهاية تظل الرغبة دائماً هي المحرك الأساسي لكلا الطرفين، رغبة الرجل في امتلاك المرأة، ورغبة المرأة في الوصول لمبتغاها، حتي ولو لعبت دور المحظية، ويظل دور الزوجة ثابتاً في جميع الأحوال، مهما اختلف رد فعلها، فالدور يلزمها القتال من أجل البقاء، إما البقاء علي الزوج للحفاظ علي المنزل والأولاد، وإما لمصالح مشتركة بينها وبين الزوج، أو الهروب من تلك الحياة الملوثة بحثاً عن حياة جديدة، والجميع في النهاية من الخاسرين.