بقلم : على الصاوى
تعتصرنى أفكارى وتُلقي بى فى هاوية التطرف الفكرى لتجول فى رأسي أسئلة تحتاج إلى إجابات شافية، تُشبع فضولى وتسكت هذا المارد الشيطانى الذى ما يلبث حتى يطرق كل فتره باب عقلى مرددا هذا السؤال ” أين الله من كل ما يحدث فى العالم ” قد يقفُ كثيرين أمام هذا السؤال مُبدين الدهشة والاستغراب على اعتبار أن ذلك تجاوز لا ينبغى التطرق إليه ،لكن هل هذا معنى أن يسلّم المرء نفسه للجمود الفكرى ويكفّ عن البحث للوصول إلى الحق باقتناع كى يؤمن به ببالغ الرضا واليقين ؟بالطبع لا، فالتفكير وطرح الأسئله هما أدوات كل إنسان ودليله للوصول الى الحقيقة وفك اللغط حول أهوال الحياة التى تطحن الضعفاء والمظلومين فى كل مكان .
الحياة كما ترون فيها كثير من الأمور التى تحتاج إلى تفسيرات سببية، والإيمان المطلق بها ليس وحده كافياً كى نقبلها ونسلّم بها دون دليل عقلىّ أو رؤية نقدية، لاسيما وأن المعطيات التى توجد على أرض الواقع كلها تؤكد أن الإنسان أصبح يحدد مصير نفسه بعد أن امتلك مقاليد كل شيء، لكن مع كل هذا التطور والامتلاك الذى حظى به الإنسان، هل الله له دور فى كل من يحدث حولنا من دمار وقتل شرّد الأمم وقضى على كل مظاهر الجمال والإزدهار فى هذا العالم ؟ وها هى سوريا ليست منا ببعيد تُباد عن أخرها والعالم فى صمت مستمر بعدما تحوّل إلى غابة من الوحوش تأكل بعضها بعضا، والضعفاء هم القرابين التى تُذبح كل يوم على موائد الكبار ممن يتحكمون فى أراوح الناس بكلمة واحدة، فإذا كانت هذه الحروب من نِتاج سلوك الإنسان وواقع تفكيره، فأين كلمة الله فى هذا الصدد، من للضعفاء والفقراء الذين نالت منهم الحروب وكانوا ضحايا الصراع الإقليمى القائم على البطش والقوة والذى زاد عن حده وجاوز المدى ولم نعد نصدق الذى نراه، هؤلاء الذين سخروا قوتهم لإفناء غيرهم ممن لهم الحق فى الحياة بشكل عادل، فنصّبوا أنفسهم آلهه للأرض ولم يبقى غير أن يتخذوا الناس عباد لهم، فمن سينتقم لهؤلاء الضعفاء ويقتص من هؤلاء الجبرين والطغاة العابثين الذين رجحت كفتهم وتكالب كل العالم على من ليس لهم سند ولا نصير وعاث الظالمون فى الأرض فساداً ؟! فمن عجائب القدرة أن لها معجزات تزيد الناس إيماناً أن هناك قوه وراء هذا العالم تحكم، وتزيدهم يقيناً أن العبث والعشوائية ليس لهما مكان فى هذا العالم، فإذا كان الحق قوياً فالشريعة في يد الظالم تجعل الباطل أقوي منه، حينئذٍ لم يعد هناك مجال لتضميد الجراح بكلمات جوفاء يقولها القائل من مكان بعيد ظنا منه أنها ستبرد قلوب المساكين بسوريا والعراق واليمن وبورما، فبعد أن فقدوا الحياة الكريمة ورضوا بها، الآن يستكثرون عليهم حق الحياة! فأين العدل إذً؟
أثناء غزو أمريكا للعراق والذى سبب كوارث وجرائم إنسانية لازال العراق يجنى مرارها إلى الأن، قام أحد المفكرين بكتابة فقرة فى أحد مؤلفاته بعد أن عجز عن الوصول لإجابة لما يحدث فقال ” يارب رحمتك ليه ما بتجي، يا ربنا كفايا تطنيش ” محملاً بمقولته القدر كامل المسئولية لما حدث بهذا البلد وغيره من بلاد الإسلام ، لكن هذه الجملة التى تنمّ عن سوء أدب وركاكة فى الأسلوب ليست هى المطلوبة فى عرض موضوع حساس مثل هذا، فالأمر يحتاج إلى طرح موضوعى بعقل وحكمة عسي أن نجد إجابة من بعض العلماء الذين لم يعد لهم وجود بيننا، بعد أن ركنوا إلى الظالمين يجمّلون ظلمهم ويبررون عدوانهم وما عادت قضية الدين فى قائمة اهتماماتهم ، فقد أثبتت دراسة إحصائية أن نسبة الإلحاد زادت فى الوطن العربى وخاصة فى مصر بنسبة 30% جراء ما يعيشون فيه من أحداث تحتاج إلى تساؤل وتفسير
لكن بكل بساطه نسأل أين دور الله فى كل ما يحدث حولنا من كوارث تقض المضاجع وتزيد المواجع، هل هو إعداد لأمر كبير سوف يحدث ؟ وإذا كان حقا، فأين شواهده ومعطياته على أرض الواقع ؟ أعلم أن هذا الكلام سوف يزعج البعض وسيتهمنى الكثير بضعف الإيمان أو فساد العقيده، مع أن الأمر مجرد عرض فكرى وتساؤل يحتاج لإجابه تريح العقل من أرق التفكير وتجعل القلب راسخ الإيمان قوى العقيده، فلا مجال للتهكم فى هذا الطرح، فالتفكير هو عصب العقل وبوصلتة إلى الحق، فالعقل وُجد ليطرح الأسئلة لا ليسلّم بالوقائع فى عمى مطلق بدعوى أن هذا هو القدر ولابد من تقبله، المقام هنا ليس مقام اتهام أو معيار لقوة وضعف الإيمان، بقدر ما هو مقام سؤال استفهامى يبحث عن حكمة ما نعيش فيه بصدق دون استهزاء أو تهكم.