إعداد/ محمد مأمون ليله
قال الشيخ المكرم، أحمد محمد علي وفقه الله:
(توحيد الرجعة)
يذكر الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي – قدس الله سره – في قول الحق – تعالى – : ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ [الرعد: 30] وهو التوحيد الرابع عشر في مواضع القرآن، وهو توحيد الرجعة، وهو توحيد الهوية، أخبر أنهم يكفرون بالرحمن لأنهم جعلوا هذا الاسم إذ لم يكن عندهم ولا سمعوا به قبل، هذا فلما قيل لهم: ﴿اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان: 60] وزادهم هذا الاسم نفورا فإنهم لا يعرفون إلا الله، الذين يعبدون الشركاء ليقربوهم إلى الله زلفى، ولما قيل لهم اعبدوا الله لم يقولوا: وما الله؟ وإنما أنكروا توحيده، وقد نقل إنهم كانوا يعرفونه مركبا ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: 3] اسم واحد كبعلبك ورام هرمز، فلما أفرده وبغير نسب أنكروه، فقال لهم الداعي: الرحمن «هو ربي» ولم يقل هو الله، وهم لا ينكرون الرب، وفسره بالرب لأنه المغذي، وبالغذاء حياتهم، فلا يفرقون من الرب ويفرقون من الله، ولهذا عبدوا الشركاء ليشفعوا لهم عند الله، إذ بيده الاقتدار الإلهي والأخذ الشديد، وهو الكبير عندهم المتعالي، فهم معترفون مقرون به، فتلطف لهم بالعبارة بالاسم الرب ليرجعوا، فهو أقرب مناسبة بالرحمن، وأمر نبيه أن يقول بحيث يسمعون ﴿ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ [الرعد: 30] أي مرجعي في أمركم، عسى يهديكم إلى الايمان، فما أغلظ لهم، لتتوفر دواعي المخاطبين للنظر فيما خاطبهم به، إذ لو خاطبهم بصفة القهر، وهو غيب لا عين له في الوقت إلا مجرد إغلاظ القول، لنفرت طباعهم وأخذتهم حمية الجاهلية لمن نصبوهم آلهة، فأبقى عليهم، وهو قوله – تعالى -: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107] ولم يقل للمؤمنين، وكان سبب نزولها أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد دعا على رعل وذكوان وعصية شهرا كاملا في كل صلاة بأن يأخذهم الله، فعتبه الله في ذلك، وفيه تنبيه على رحمة الله بعباده لأنهم على كل حال عباده معترفون به، معتقدون لكبريائه، طالبون القربة إليه، لكنهم جهلوا طريق القربة، ولم يوفوا حقه، ولا قامت لهم شبهة قوية في صورة برهان، فكانوا يدخلون بها في مفهوم قوله – تعالى – : ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾ [المؤمنون: 117] ويريد بالبرهان هنا في زعم الناظر، فإنه من المحال أن يكون ثم دليل في نفس الأمر على إله آخر، ولم يبق إلا أن تظهر الشبهة بصورة البرهان فيعتقد أنها برهان، وليس في قوته أكثر من هذا. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.