إعداد/ محمد مأمون ليله
قال الشيخ المكرم/ أحمد محمد علي وفقه الله:
(توحيد الاتباع)
يذكر الشيخ الأكبر قدس الله سره في قول الحق – تعالى – : ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 106] وهو التوحيد الثامن في مواضع القرآن، وهو توحيد الاتباع وهو من توحيد الهوية، فهو توحيد تقليد في علم، لأنه نصب الأسباب وأزال عنها حكم الأرباب لما قالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3] فلو قالوا ما نتخذهم وأبقوا العبودية لجناب الله – تعالى – لكان لهم في ذلك مندوحة بوضع الأسباب الإلهية المقررة في العالم ، فأمر – صلى الله عليه وسلم – أن يعرض عن الشرك لا عن السبب، فإنه قال في مصالح الحياة الدنيا: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ [البقرة: 179] فعلل ولام العلة في القرآن كثير. والتوحيد الثامن أيضا فيه ما في التوحيد السابع من توحيد الاسم الرب، وعمم إضافة جميعنا إليه، وهنا خصص به الداعي، فكأنه توحيد في مجلس محاكمة، فيدخل فيه توحيد المقسط لإقامة الوزن في الحكم بين الخصماء بين ذلك قوله – تعالى – : ﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 106] وخص به الداعي لمجيئه بالتوحيد الإيماني لا التوحيد العقلي وهو توحيد الأنبياء والرسل، لأنها ما وحدت عن نظر، وإنما وحدت عن ضرورة علم وجدته في نفسها لم تقدر على دفعه، فترك المشركين وآلهتهم وانفرد بغار حراء يتحنث فيه من غير معلم إلا ما يجده في نفسه حتى فجئه الحق وهو قوله – تعالى – : ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام : 106] أي أنه لا يقبل الشريك، فأعرض عنهم حتى يستحكم الايمان، وأقمه بنفس الرحمن فاجعل له أنصارا، وآمرك بقتال المشركين لا بالإعراض عنهم. ويرى الشيخ قدس الله سره في ذلك أن الداعي على بصيرة لابد أن يكون آمرا في حق طائفة، وصادعا بالأمر في حق طائفة، فيعلم من يتأثر لأمره، ممن لا يتأثر، وهو من كمال الدعوة إلى الله وهي مدرجة الرسل – عليهم السلام – والكمل من الورثة – رضى الله عنهم -. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.