بقلم/ وليد.ع. العايش —————
لم يكن الطريق الريفي الضيق على حاله في هذا المساء ، فقد اعتراه بعض لحظات الذهول ، بينما عصافير الدوري تسارع وتيرة طيرانها إلى أعشاشها ، الغيوم تدنو رويدا … رويدا … من وجهي الذي جاوز اسمراره حبات سنبلة قمح مضى عليها حول كامل .
بدأت أتلمس شيئا ما في أفق داهمه الغسق ، حثثت خطاي أكثر ، دون أن أدري لماذا ! كل الأمور تسير إلى نهاياتها برتم بطيء ، عدا قلبي الذي أخذ ينبض بتسارع مخيف .
_ لا شيء يدعو للخوف …
قلت لنفسي بصوت مرتفع لعله يكسر آخر فناجين القلق ، ثم أطلقت حنجرتي بموال أحفظه منذ سنوات طفولتي الأولى ، رغم أني لا أتقن الغناء .
الطريق أمسى أكثر حراجة من ذي قبل ، منعطف البيت كان ينتظرني ، تلقفته بشغف وأنا أتابع موالي الحزين .
_ هاهو القمر يلوح من خلف الغيوم السوداء ، هل تمرد فجأة !
سألت حجارة الطريق ، مع أنني كنت متأكدا بأنه لن يأتيني أي جواب .
_ قف … قف … يا أنت …
تقهقر المنعطف ، توقفت في مكاني لانظر إلى الصوت النابع من عمق صخرة تتخذ من طرف الطريق الريفي مكان إقامة دائمة لها ، توارى الصوت قليلا ، سكون يعبق بالمكان ، خبطت بقدمي على الأرض ، تردد صداها مع سقوط مطر خفيف …
– عارية تلك الصخرة ، من أين أتى الصوت ، من المتكلم ؟ …
صرخت بقوة خائف هذه المرة ، لكن الرد كان غائما كما ذاك المساء ، عاودت سيري ، لكن قدماي كانتا متشبتان بتراب الدرب الذي لم ينته بعد .
لم أعد أشعر بدقات قلبي في تلك اللحظة القاتمة ، ضجيج المطر أضحى أكبر كثيرا ، بينما الرياح تبدأ بالعواء .
– ماذا عساي أن أفعل الآن ، كيف أصل إلى بيتي القريب …
ذاكرتي تدور بشكل مفاجئ ، شيء ما حدث في مثل هذه الظروف منذ عام كامل ، هنا كنت برفقة زوجتي ، غموض لف تلك اللحظات يومها ، شهقت زوجتي عندما سمعت ذات الصوت ، جلست على طرف الصخرة ، طلبت الماء بعد أن جف حلقها ، جمعت بكفي بعض المطر ، طلبت منها أن تفتح فمها لكنها لم تفعل ، ارتمت بين ذراعي ، الصمت يسود كما سيل جارف .
– الأولاد … ( قالتها بلسان محنط ) …
مددت يدي إلى الصخرة ، مسحت دموعها ، وربما أكون قد مسحت دموع المطر ، تذكرت حينها ماقاله والدي في حكايا كانون : ( الأموات يعودون عندما يشتاقون ) …
————–