إعداد/ محمد مأمون ليله
قال الشيخ المكرم/ أحمد محمد علي وفقه الله:
(توحيد الابتداء)
يذكر الشيخ الأكبر قدس الله سره في قول الحق – تعالى – : ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [النساء: 87] وهو التوحيد السادس في مواضع القرآن، وهو أيضاً توحيد الابتداء ، وهو توحيد الهوية المنعوت بالاسم الجامع للقضاء والفصل. فمن رحمة الله أنه قال ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ [النساء: 87] فما نجتمع إلا فيما لا نفترق فيه، وهو الإقرار بربوبيته سبحانه. وإذا جمعنا من حيث إقرارنا له بالربوبية فهي آية بشرى، وذكر خير في حقنا بسعادة الجميع، وإن دخلنا النار، فإن الجمعية تمنع من تسرمد الانتقام لا إلى نهاية، لكن يتسرمد العذاب وتختلف الحالات فيه؛ فإذا انتهت حالة الانتقام ووجدان الآلام، أعطى من النعيم والاستعذاب بالعذاب ما يليق بمن أقر بربوبيته ثم أشرك ثم وحد في غير موطن التكليف. والتكليف أمر عرض في الوسط بين الشهادتين لم يثبت، فبقي الحكم للأصلين الأول والآخر ، وهو السبب الجامع لنا في القيامة فما جمعنا إلا فيما اجتمعنا.
ويقول الشيخ الأكبر قدس الله سره في ذلك شعراً:
فإذا استعذبوا العذاب أريحوا … من أليم العذاب وهو الجزاء
ويستشهد الشيخ الأكبر قدس الله سره بقول أبو يزيد البسطامي:
وكل مآربي قد نلت منها … سوى ملذوذ وجدي بالعذاب
ويعلق قدس الله سره على قول أبو يزيد البسطامي بقوله: بالعذاب فيقول قدس الله سره: ولم يقل بالآلام، وإنما قال بالعذاب لما فيه من العذوبة، وهي اللذة باللذة؛ أي أنه يلتذ باللذة لا أنه يلتذ بالأشياء، وهذا مثل ما يقوله أهل النظر في العلم إن بالعلم يعلم العلم، وبالرؤية ترى الرؤية في مذهب المتكلمين، وكذلك تدرك اللذة باللذة
ويرى الشيخ الأكبر قدس الله سره أن العارفين إذا شقت سماؤهم بالغمام، وتنزلت قواهم في ذلك الغمام، وأتى الله للفصل والقضاء في دار دنياهم، فقد قامت قيامتهم، واستعجل حسابهم، فيأتوا يوم القيامة ﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62] لا في الحال ولا في المستقبل. ولهذا أتى – سبحانه – بفعل الحال في قوله: ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: 62] فإن هذا الفعل يرفع الحزن في الحال والاستقبال بخلاف الفعل الماضي، والمخلص للاستقبال بالسين أو سوف.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.