كفاكى يا نفسى على نفسى عدونا….فالقبر يا نفسى سكنا وعنوانا
الحقيقة التي تؤثّر في حياة الإنسان حقيقة الموت والحياة الخالدة بعد الموت. فالإنسان ميتٌ لا محالة ومفارقٌ لهذا العالم المادي ، أما روحه تصعد إلى عالمٍ آخر وتبقى فيه. وفكرة الموت والخلود تجعل حياة الدنيا محطةً عابرة. والعاقل وحده الذي يتوجّه الى تلك الحياة ويبني على أساسها كل شيء. والحياة في الآخرة على نحوين: إما جنةٌ ونعيم، أو جهنمٌ وعذاب ، عن الإمام علي عليه السلام قال: “العمل الصالح حرث الآخرة”, وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “إن مع العزّ ذلاً، وإن مع الحياة موتاً، وإن مع الدنيا آخرة، وإن لكل شيء حسيباً، وإن لكل أَجل كتاباً، وإنه لا بد لك يا قيس من قرين يُدفن معك وهو حيّ وتُدفن معه وأَنت ميّت، فإن كان كريماً أَكرمك، وإن كان لئيماً أَسلمك. ثم لا يُحشر إلا معك ولا تُحشر إلا معه ولا تُسأَل إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحاً فإنه إن صلح آنست به وإن فسد لا تستوحش إلا منه وهو فعلك”
فالأعمال هي أول ما يظهر من الإنسان عند تفاعله مع أحداث الحياة وشؤونها، والتي يستخدم لأجل القيام بها أعضاء بدنه. إذا قمنا بدارسة منشأ هذه الأفعال والتصرفات وسبب تمايزها بين شخصٍ وآخر لوجدنا أن وراءها مجموعةً من الصفات والميول النفسية التي يعبّرون عنها بالملكات أو الأخلاق.
الأخلاق الفاضلة والحميدة تنجي صاحبها وتوصله إلى السعادة الأبدية. والأخلاق الرذيلة تهلك صاحبها وتؤدّي به الى الشقاء والعذاب الأليم. من هنا يتحتّم على كل عاقلٍ أن يجتهد في اكتساب فضائل الأخلاق ويجتنب رذائلها.
ومن هنا أيضاً كان التأكيد على مسألة تهذيب النفس وتطهيرها، والتي تعني تخلية النفس من الصفات الرذيلة وتحليتها بالصفات والأخلاق الحميدة والفاضلة، لأنها ضمانة العمل الصالح الذي هو بدوره ضمانة الحياة الابدية السعيدة. قال تعالى في كتابه العزيز: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) فمن ترك نفسه دون تزكية أو تهذيب فهو في خسارةٍ دائمة، ومن زكّاها وطهّرها ممّا يَعلق بها من الذّنوب هو الذي يُفلح وينجو من عذاب الله وينال رضوانه.