بقلم/ محمد مأمون ليله
اُستغلت في السنوات الأخيرة بعض مواقع الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، وما يتبعها من الفيس والآسك ونحوهما في نشر الدعوة وخطاب الشباب، والحق أنها فكرة رائعة، خاصة مع زيادة عدد المستخدمين لهذه الشبكات، وجمهورها الواسع الكبير الذي لا يقارن بجمهور المحاضرات أو المساجد من جهة عدد الحاضرين، ونوعيات الجهات المتعددة التي يصل إليها الكلام، والتي تشتمل على الصغير والكبير، والغني والفقير، والجاهل والمتعلم، والمحسن والمسيئ، والملتزم وغيره.
وهذه الوسيلة من جهة كونها دعوية فكرة رائقة، ومن جهة الحكم الشرعي فالأصل فيها الحل والإباحة للرجل والمرأة، ما لم يكن في استخدامها محذور شرعي، كالتواصل المحرم بين الجنسين، أو نشر كلام محرم من غيبة، وسب، وقذف، وغير ذلك،
وبات من الضروري أن يسلك العلماء هذه المواقع للدعوة إلى الله تعالى، وتوعية الشباب بالقضايا التي تهمهم، والتعليق على قضايا الأمة الإسلامية بكل أريحية، ونشر الأفكار الراقية والأخلاقيات السامية.
ثم هؤلاء الذين دخلوا مجال الدعوة على الإنترنت منهم من أحسن وأجاد، وبنى وعيا متزنا واستطاع أن يجمع حوله الشباب، وأن يسلك بهم طريقا عاقلا لا إرهاب فيه ولا تطرف ، ولا إرجاء فيه ولا تخلف، وهم في الحقيقة قلة قليلة.
إذن فمن العلماء والدعاة من يحسن استعمال هذه الوسائل في الدعوة من خلال المقالات، والبوستات، والحوار، والنقاش، والتعليق، فعلموا الشباب الأدب والعلم جميعا، وساهموا في تجمع الشباب حول منشوراتهم المتزنة العاقلة، مع أريحية وصبر منهم على بعض التعلقات السمجة أو المتهورة أو الظريفة.
ومن هؤلاء العلماء الذين لهم إسهامات مشكورة على وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس ونحوه فضيلة الشيخ العلامة المحدث/ أحمد بن عبد الستار النجار، المحدث الهمام، ناقد الأخبار، وصاحب الفكر الراقي، وحسابه على الفيس يعج بعلوم كثيرة، وتصحيح مفاهيم خطيرة، مع المناقشة والحوار، والأدب في الردود على المخالف، وأخذ طريق التدرج والهدوء في نشر الأفكار، مع بعده عن الظهور والفخر، وله إسهامات مشكورة في علوم الحديث، والتاريخ، والفقه، والعقيدة.. وهو كشاب يفيض بعلمه وخبرته على الشباب ولا يبخل عليهم، ويعاملهم كإخوانه ويفيض بتجاربه عليهم، وهو ممن يتبنى حركة التجديد في العصر الحديث، وموضوعاته على الفيس، وكتبه، وتلاميذه يشهدون له ذلك، مع بعده عن الجدال المذموم،، وهو يغرس بخلقه قبل علمه مفاهيم التجديد في الشباب، ويتفاعل مع كل التعليقات عنده، ويخاطب عقول الناس التي عنده .
ومن هؤلاء أيضا معالي الأستاذ الدكتور/ غانم السعيد رئيس قسم الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بالقاهرة، وله إسهامات كثيرة في الصحافة والإعلام، وأفكار اجتماعية، وعلمية، وإدارية، وأزهرية.. وفضيلته ممن يسعى لخدمة الناس الصغير منهم والكبير، ويفيض حبا وتعظيما للأزهر الشريف، كما أنه ممن يشجع الشباب والطلاب على حسابه (الفيس) ويخدمهم، ويسعى بأفكاره العلمية إلى طلابه في كل مكان ولا يبخل بها عليهم، ويشيد بالنابغين منهم، ويتفاعل معهم بطرق كثيرة، مع تواضعه الجمّ وروحه المرحة الجميلة.
ومنهم فضيلة الأستاذ الدكتور /عبد الغني الغريب رئيس قسم العقيدة والفلسفة بأصول الدين بالزقازيق، حيث يعد حسابه الشخصي على الفيس من الحسابات الدعوية النشطة، يتناول فيه كثيرا من القضايا العلمية، والاجتماعية، والتربوية، والفقهية المعاصرة، والشبابية، من خلال مقالات ينثرها على حسابه تتميز بالسهولة واليسر مثل: العفة، والإسلام والمرأة، وصلة الرحم، والحسد، وصلاح أبنائنا.. كما يرد على الناس كلهم، ويتفاعل مع تعليقاتهم الصغار منهم والكبار، بل ويتحاور ويضحك معهم، وهذه الأمور لها أسسها التربوية في التفاعل مع الشباب كما هو معلوم.
والمشكلة تكمن في تصدر بعض طلبة العلم للفتوى وهم ليسوا من أهلها، وما يتبع ذلك من استخدام النصوص في غير محلها، والتساهل في الردود خاصة مع النساء بما يخرج عن حد اللياقة، فضلا عن الكلام في قضايا الأمة الكبيرة بكلام يجرّ إلى العنف والتهور، أو الانحلال والتسيب. ولو وضعنا لهذه المواقع ضوابطا، كان يجعل صاحبها إن كان مؤهلا للفتوى وقتا للإجابة عن الأسئلة الفقهية، ووقتا للأسئلة الاجتماعية والمشاكل، أو ُيميز هذا عن ذاك، بحيث لا تختلط لغة الجد مع المزاح، ومن هنا يحفظ نفسه، ويفيد غيره، ويستغل وقته، وننشر في الناس الخير والاعتدال، ونبعدهم عن الفتنة وأدوات الضلال.
إذن فليس كل الدعاة في تواصلهم الإنترنتي مع الشباب يتعاملون بحكمة، وما زال هناك جسر لم يكتمل من التقارب بينهم وبين الشباب، ونستطيع القضاء على الفجوة بينهما من خلال الآتي:
1- تشجيع طلبة العلم وأصحاب الفكر على التواصل مع الشباب من خلال وسائل الإعلام، واقتحام وسائل الإنترنت المختلفة، ومواقع الفيس، والآسك، والتويتر..
2- حث الدعاة على التكلم فيما يحسنونه، وأن يتجنبوا القضايا الخلافية، والدعوة إلى الجماعات الحزبية، وأن يتكلموا في المجمع عليه قدر الإمكان، وان يكون منهجهم التجمع لا التفرق.
3- حسن التعامل مع الشباب، والصبر على بعض كلماتهم، والتعامل بحكمة معهم.
4- الإكثار من الحديث في القضايا المهمة التي يحتاجها المجتمع، كقضايا الشباب، والغلو، والأخلاقيات، والالتزام، والتربية، ودور الأسرة والبيت، وزرع الثقة في نفوس الشباب.
5- تشجيع المؤسسات الدينية وحثها على متابعة بعض الحسابات الفيسبوكية لمن تراهم من أهل الاتزان والعقل، وإعطاؤهم حقهم ومساعدتهم، وتقديم الدعم الكامل لهم، ونشر ذلك في الصحف ومواقع الإنترنت، والحفاوة بهم وتبجيلهم.
6- على الدولة أن يكون عندها نوع من الحفاوة والتكريم لمثل هؤلاء الدعاة؛ لأنهم يقومون بمهمات التعليم، والتربية، والحفاظ على العقول، والأمن القومي.