إعداد/ محمد مأمون ليله
سجود القلب
قال الشيخ المكرم/ أحمد محمد علي وفقه الله:
سجود القلب هو خضوعه وخشوعه للكبرياء الإلهي، وهو دلالة على التحقق بالعبودية الخالصة لله، فعندما يتحقق في قلب العبد هذه العبودية يسجد القلب سجود ا لا يرفع منه أبدا بخلاف سجود الوجه.
ويقول الشيخ الأكبر محمد بن علي ابن العربي قدس الله سره: ” ومدار هذه الطريقة على هذه السجدة القلبية، إذا حصلت للإنسان حالا، مشاهدة عين، فقد كمل، وكملت معرفته وعصمته، فلم يكن للشيطان عليه من سبيل. وتسمى هذه العصمة، في حق الولى، حفظا، كما تسمى، في حق النبي والرسول، عصمة: ليقع الفرق بين الولى والنبي، أدبا منهم (أي الأولياء) مع الأنبياء والرسل- عليهم الصلاة والسلام -، ليختصوا باسم العصمة”.
وهذا لا يدل أن الأولياء كالأنبياء معصومون، ولكن هناك فرق بينهما فيقول قدس الله سره :” ومع هذا، فإنى أبين الفرق بينهما. وذلك أن الأنبياء لهم” العصمة” من الشيطان ظاهرا وباطنا. وهم محفوظون من الله في جميع حركاتهم. وذلك لأنهم قد نصبهم الله للتأسي. ولهم المناجاة الإلهية. فالأنبياء المرسلون معصومون من المباح أن يفعلوه من أجل نفوسهم، لأنهم يشرعون بأفعالهم وأقوالهم. فإذا فعلوا مباحا يأتونه للتشريع، ليقتدى بهم. ويعرفون الأتباع عين الحكم الإلهي فيه. فهو واجب عليهم، ليبينوا للناس ما أنزل إليهم. يقول الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ من النَّاسِ﴾ [المائدة: 67]. وللورثة من هذا التبليغ حظ وافر. – والولى محفوظ من الأمر الذي يقصد الشيطان، عند إلقائه في قلب الولى، ما شاء الله أن يلقى إليه. فيقلب عينه، بصرفه إلى الوجه الذي يرضى الله. فيحصل بذلك على منزلة عظيمة عند الله. – ولولا حرص إبليس على المعصية، ما عاد إلى هذا الولى مرة أخرى. فإنه يرى ما جاءه به، ليبعده بذلك من الله، يزيد به قربة وسعادة. والأنبياء معصومون أن يلقى الشيطان إليهم. فهذا (هو) الفرق بين” العصمة” و” الحفظ”.”
ويحكي الشيخ الأكبر عن سهل بن عبد الله – رضى الله عنه – :” اتفق لسهل بن عبد الله (التستري)، في أول دخوله إلى هذا الطريق، أنه رأى قلبه قد سجد. وانتظر أن يرفع، فلم يرفع. فبقي حائرا. فما زال يسأل شيوخ الطريق عن واقعته، فما وجد أحدا يعرف واقعته. فإنهم أهل صدق، لا ينطقون إلا عن ذوق محقق. فقيل له: إن في عبادان شيخا معتبرا، لو رحلت إليه ربما وجدت عنده علم ما تسأل عنه. فرحل إلى عبادان من أجل واقعته. فلما دخل عليه سلم، وقال: ” يا أيها الشيخ! أيسجد القلب؟ “- فقال له الشيخ: ” إلى الأبد! ” فوجد شفاءه، فلزم خدمته.”
وهذا السجود القلبي لا يتحقق لكثير من الأولياء، فأكثر الأولياء يرون تقليب القلب من حال إلى حال، وصاحب هذا الحال يحتاج إلى قدم ثابتة، وهو ثابت عليها لا يتحرك أبدا. وعلى علو حال سجود القلب إلا أنه عند الشيخ الأكبر فيه نقص فيقول قدس الله سره: ” ما عرفنا نقص سهل إلا من سجود قلبه، وما أخبر أنه رآه ساجدا فرآه على ما كان عليه، وإنما أخبره أنه يسجد، ولا سجود إلا من قيام أو جلوس، ولا قيام للكون؛ فإن القيومية لله. وقال: لكل اسم إلهي تجل؛ فلا بد أن يسجد له القلب، فلا يزال يتقلب من سجود إلى سجود ، وبهذا سمي قلب العارف قلبا، بخلاف قلوب العامة لاختلاف تقلباتها فيما يخطر لها من أحوال الدنيا، وتلك بعينها هي عند العارف أسماء إلهية. فانظر إلى ما بين المنزلتين، كيف يرتقي هذا بعين ما ينحط به هذا، ذلك هو الخسران المبين.”
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل