هل أذبح الديك الكبير يا أبتي …
أطلق الأب تنهيدة طويلة ك عنق زرافة …
_ نعم اذبح الديك الكبير يا …. ولد …
كان الضيف هناك في الديوان ، الصوت يصل إلى مسمعه ، رغم أن صوت المذياع كان مرتفعا ، لقد رفعه أبو طارق قبل أن ينادي عليه ابنه الأكبر …
ابتسم في سره ( يالك من رجل بخيل ، ابنك أفضل منك ) …
في تلك اللحظة دارت ذاكرة الضيف إلى الخلف مرغمة ، كما فيلم روائي طويل أداره المخرج من النهاية إلى البداية …
أبو طارق ( أيهم ) وأبو وليد ( خالد ) ، أصبحا رجلان الآن ، لقد أمضيا سنينا طويلة تكاد تقرب الأربعين عاما وهما سويا لم يفترقا ، كان خالد ميسور الحال أكثر من صديقه ، يؤدي له طلباته دون تذمر ، بينما كان أيهم ( مقترا ، ممسكا ) يمسح القرش قبل أن يخرج من جيبه كما يقول الكبار من أجدادنا ، أنهيا دراستهما الثانوية معا ، افترقا لفترة بسبب سفر خالد ، لكن الاقدار عادت لتجمعهما من جديد …
_ مابك يا أبا طارق … أراك لست على مايرام …
_ لا ليس هناك شيء يا صديقي …
عاد أبو طارق إلى ابنه وزوجته هناك خلف التين ، كان يرغي ويزبد ك إبل ثار لتوه …
_ أين الديك … أين الديك يا ولد … أين هو يا امراة …
_ لست أدري يا أبي ، جئت لأخذه فلم ( …… ) …
_ فلم ماذا … يبدو بأن هناك أمر آخر تخفيه أنت وأمك البلهاء …
_ وما دخلي أنا يارجل …
_ إذن ماذا هناك …
_ لقد هرب الدجاج كله يارجل …
مط الرجل لسانه ، احمرت عيناه ، ضرب الأرض بقدمه …
_ أين هربوا … من ترك الباب مفتوحا …
لم تجب الزوجة ، ولم يجرؤ الابن على الحديث ، فقد كان يعلم بأن العصا تنتظره ، طلب من زوجته أن تتدبر أمرها وتجهز طعاما للضيف …
_ سأحاسبكم بعد أن يذهب أبو وليد …
عاد إلى الديوان حيث كان أبو وليد يحتسي بعض الشاي ، الشراب المحبب له مع السيجارة .
هناك أيضا كانت الصدمة الأخرى ، أبو وليد لم يكن هناك ، ربما ذهب إلى بيت الخلاء ، ربما يتفقد المزرعة … هكذا كان أيهم يخمن ، لكن الوقت الذي مضى أثبت بأن خالدا قد رحل هو الآخر …
_ دعي كل شيء يا امرأة ، لقد ذهب الضيف …
قفز فجأة ابنه الصغير ( سبع سنوات ) تمسك بسروال أبيه …
_ مابك يا شادي …
_ أبي … أبي … إني أعرف من فتح الباب للدجاجات كي تهرب …
_ من … من ياولد … قل …
_ لقد شاهدت صديقك أبو وليد يفتح الباب ويطرد الدجاجات باتجاه النهر ، ثم اختفى خلف الأشجار .
ثلاثة أشهر مضت دون أن يلتقي الصديقان مرة جديدة ، وصلته رسالة من ساعي البريد …
فتحها وقرأ مافيها : ( أخي أيهم عندما تتخلى عن بخلك الذي لازمك طيلة عقود ، سأعود لزيارتك ، وأعتذر عن استقبالك قبل ذلك أيضا ) …
دس الرسالة في جيبه وصرخ على ساعي البريد الذي كان ينتظر أن ينقده أبو طارق شيئا ما …
_ اذهب … اذهب … اغرب عن وجهي …
_________
١٩ رمضان / ١٤٤٠