الدكتور عادل عامر
. في حين أن عملية الإصلاح تكرارية قابلة للتكيّف، فقد استند كل قرض من قروض سياسات التنمية إلى الإجراءات والإنجازات التي حققتها العملية السابقة، وأتاحت سلسلة قروض سياسات التنمية الاستمرارية اللازمة لتنفيذ هذا الإصلاح الصعب طوال العملية.
ويتوقع أن يؤدي التطبيق الكامل للقانون إلى خفض متوسط الوقت اللازم للحصول على ترخيص صناعي من 634 يوما في السنة المالية 2014/2015 إلى 160 يوما بحلول نهاية السنة المالية 2018/2017. وفيما يتعلق بغالبية الشركات المؤهلة لعملية ترخيص مبسطة عن طريق الإخطار، فإن الإصلاح يعد بأن يكون جذريا بدرجة أكبر، حيث لا يتجاوز الوقت في المتوسط سبعة أيام للحصول على ترخيص صناعي؛ وفي الواقع، يشترط القانون إصدار التراخيص عن طريق الإخطار في اليوم ذاته مع إجراء التفتيش في غضون 90 يوما.
عندما شرعت الحكومة المصرية في تنفيذ برنامج للإصلاحات الرئيسية الضرورية يهدف إلى معالجة بعض المعوقات الهيكلية القائمة منذ وقت طويل أمام تحقيق النمو الشامل واستقرار الاقتصاد الكلي.
وكانت أحداث الربيع العربي عام 2011 إيذانا بعصر جديد من الأمل للمصريين بأنه ستحدث تحسينات في الإدارة والخدمات الحكومية وينشأ نموذج اقتصادي يفيد جميع المواطنين، إذ إن النمو الذي تحقق حتى ذلك الحين لم يؤد إلى تحسين مستويات المعيشة بين الفقراء وأفراد الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى. وللأسف، اتسمت التطورات التي وقعت بعد عام 2011 بتحديات اقتصادية أسفرت عن تثبيط التجارة والاستثمار
وتفاقم المشاكل الهيكلية المترسخة أساسا، مثل ضعف مناخ الأعمال وارتفاع دعم منتجات الطاقة؛ مما نجم عنها تدهور غير قابل للاستمرار في أرصدة المالية العامة أو المراكز الخارجية. علاوة على ذلك، استطاعت مصر تحمّل صدمات خارجية أخرى كالإرهاب والاضطرابات التي شهدتها المنطقة وتراجع حجم التحويلات من العاملين في الخليج.
فقد وصلت إجمالي إيرادات قناة السويس شهدت زيادة ملحوظة حيث بلغت نحو 104.2 مليار جنيه في العام المالي 2018/ 2019، مقارنة بـ 74.2 مليار جنيه في العام المالي 2016/ 2017، بنسبة نمو 40.4٪، وقد أدت هذه الطفرة إلى زيادة مستحقات الخزانة العامة للدولة المتمثلة في الضرائب وفائض الإيرادات والإتاوة من 52.9 مليار جنيه في العام المالي 2016/2017، إلى 72.2 مليار جنيه عام 2018/ 2019 بنسبة نمو 36.5%.
ساهم تنفيذ الإصلاحات الداعمة للمنافسة في الإطار التنظيمي القائم في تحقيق زيادة كبيرة في عدد الممارسات المناوئة للمنافسة التي منعها أو ألغاها الجهاز في أسواق رئيسية لتنمية القطاع الخاص، مثل الكهرباء والاتصالات والإعلام والتأمين والمستحضرات الصيدلانية، واللوازم الطبية، وصناعة المنسوجات والأسمدة. ومع البت في 15 قضية في هذا المجال بين السنتين الماليتين 2016/2015 و2018/2017، تجاوز الجهاز بالفعل الهدف المحدد في قرض سياسات التنمية وهو 11 قضية.
وتستند هذه النتائج إلى أوجه التآزر بين الإجراءات التي اتخذت طوال سلسلة قروض سياسات التنمية بغية تعزيز إطار المنافسة في القطاع الخاص في مصر. وأقامت العملية الأولى الأساس لتمكين الجهاز من خلال وضع لائحة تنفيذية جديدة تعزز استقلالها وتوسع نطاق الأدوات اللازمة لتعزيز أنشطة التنفيذ والدعوة. وأتاح قرض سياسات التنمية الثاني الأوضاع المواتية للجهاز كي يتصدى للتحالفات، ولا سيما من خلال إجراءات إدارية داخلية جديدة لتعزيز فاعلية تحقيقاته في التحالفات عن طريق التركيز على جمع الأدلة المادية والرقمية للممارسات المناوئة للمنافسة. ويدعم القرض الثالث الجهود السابقة بحزمة شاملة من التشريعات الثانوية التي ستسهم في زيادة القدرة على التنبؤ واليقين القانوني والشفافية، وهي أمور لن تسهم في تعزيز مناخ الأعمال المصري فحسب، بل يمكنها كذلك تحقيق وفورات ضخمة للمستهلك المصري، وخاصة بالقضاء على التحالفات الاحتكارية في السلع الغذائية والسلع الأولية والتي تؤدي في العادة إلى فرض أسعار تزيد على 20%.
في إطار التصدي للضغوط التضخمية بسبب خفض قيمة الجنيه وزيادة أسعار الطاقة، قامت الحكومة بتطبيق استراتيجية متعددة المحاور لحماية الفقراء والطبقة المتوسطة من خلال إجراءات الحماية الاجتماعية. وتتضمن هذه الاستراتيجية بوجه عام 3 سمات محددة:
أولًا، زيادة موازنة الحماية الاجتماعية بحوالي 85 مليار جنيه في السنة المالية 2017/2018. ثانيًا، تخرج استراتيجية الحماية الاجتماعية عن مسار الدعم الشامل الذي يفيد الأغنياء أكثر مما يفيد الفقراء إلى آليات استهداف من شأنها توصيل دعم المواد الغذائية إلى الشرائح الأدنى من حيث توزيع الدخل مع استفادة غير مشروطة من التحويلات النقدية. وفي نهاية المطاف، وعلاوة على التحويلات النقدية، تم توسيع نطاق الحماية الاجتماعية كي يشمل الطبقة المتوسطة من خلال برامج لتعزيز المهارات وإمكانية التوظيف بين الشباب، وضمان تحسين تقديم الخدمات.
وعلى وجه التحديد، نجد أن الزيادة في مخصصات الدعم شبه الشامل للمواد الغذائية من شأنها تحقيق منافع لجموع الناس، والتعويض التام للخسائر التي تكبدتها شريحة الأربعين في المائة الأدنى من حيث توزيع الدخل بسبب الزيادة في أسعار الطاقة في السنة المالية 2017/2018. وتم إجراء إصلاح شامل لمنظومة دعم المواد الغذائية القائمة منذ وقت بعيد: تحسين الكفاءة الإدارية، وإدخال سقوف للدخل، وزيادة المنافع. وزاد نصيب الفرد من دعم المقررات التموينية من 21 جنيهًا في الشهر إلى 50 جنيهًا في السنة المالية 2017/2018 (بحد أقصى 4 أفراد في الأسرة، وحصول ما يزيد على هذا العدد على نصف الدعم المقرر). وفي الوقت نفسه، تحسنت كفاءة الاستهداف ووصول مقررات الدعم إلى مستحقيها حيث تم حذف حوالي 10 ملايين مستفيد من قائمة المستفيدين (أو 13% من إجمالي عدد المستفيدين).
وعلى ضوء نطاق التغطية الواسع لهذا البرنامج (الذي تستفيد منه 89% من الأسر المصرية و95% من شريحة الأربعين في المائة الأدنى من حيث توزيع الدخل)، من المتوقع أن تؤدي الزيادة في المنافع إلى تعويض شبه تام لجميع الخسائر التي تكبدتها الأسر المعيشية في شريحة الأربعين في المائة الأدنى من حيث توزيع الدخل بسبب زيادة أسعار الطاقة في 2017، وحوالي نصف الخسائر التي تكبدتها الأسر المعيشية في الشريحتين الخمسيتين الثالثة والرابعة.
ويضيف التوسع في نطاق برنامج التحويلات النقدية الذي يغطي ثلث الفقراء مزيدًا من المنافع المرتبطة بإجراءات التخفيف. وقد تم إطلاق برنامج التحويلات النقدية المشروطة تكافل وكرامة في 2015، وهو يستهدف على وجه الدقة الأسر المعيشية التي تقع تحت خط الفقر الوطني باستخدام آلية اختبار مستوى الدخل الفعلي. ويشترط برنامج تكافل الالتحاق بالمدرسة والاستفادة من خدمات رعاية صحة الأم والطفل لتشجيع تراكم رأس المال البشري بين الأطفال. ويقدم برنامج كرامة دخلًا شهريًا للفقراء من كبار السن (فوق 65 سنة) ومن لديهم عجز شديد وغير قادرين على العمل. وبداية من 160 ألف أسرة معيشية في المحافظات الأشد فقرًا، توسع برنامج تكافل وكرامة ليصل إلى 1.7 مليون أسرة معيشية في منتصف 2017، ومن المحتمل أن يصل إلى مليوني أسرة معيشية في منتصف 2018.
ويعمل هذا البرنامج أيضًا على وضع سجل قومي موحد لتحديد الشرائح الأشد فقرًا، ومن المتوقع استكمال هذا السجل في منتصف 2018، وسيحقق ذلك منافع إضافية للبرامج الاجتماعية الأخرى. وعلاوة على ذلك، زاد نصيب الأسرة المعيشية من المنافع ليصل إلى 100 جنيه. وهذه الزيادة يمكن أن تُترجم إلى متوسط تحويلات سنوية للفرد تبلغ 371 جنيهًا للمستفيدين من برنامج تكافل (يقدم برنامج تكافل 325 جنيهًا كل 3 شهور للأسر مع علاوات قدرها 100 جنيه لكل فرد حتى 3 أطفال في الأسرة المعيشية)،
ويحقق ذلك منافع تغطي الخسائر التي سببتها الزيادة في أسعار الطاقة في الفترة ما بين 2015 و2017 للمستفيدين من البرنامج، وجميعهم تحت خط الفقر الوطني. وعلاوة على إجراءات التخفيف، تعمل الحماية الاجتماعية على توسيع نطاق الإجراءات التي تهدف إلى انتشال الناس من براثن الفقر ومساندة الطبقة الوسطى. وتم الشروع في برنامج جديد اسمه فرصة في 2017 لاستكمال برنامج تكافل وكرامة، وربط الشباب في الأسر المعيشية المستفيدة بفرص العمل حتى يتسنى للأسر الإفلات من براثن الفقر.
وحتى يتسنى زيادة فرص العمل، تقوم الحكومة ــ بمساندة من البنك الدولي ــ باستثمارات جديدة خاصة ببرنامج الأشغال كثيفة الأيدي العاملة في المناطق الأكثر فقرًا مثل الصعيد. وتم التوسع في البرامج التي تحقق منافع للطبقة المتوسطة، لا سيما لهؤلاء الذين على حافة السقوط في غيابات الفقر. وتمت زيادة معاشات التأمينات الاجتماعية التي تغطي حوالي 10 ملايين شخص تقريبًا نصفهم يعيشون تحت خط الفقر الوطني بنسبة 15%. وتمت زيادة حد الإعفاء من ضريبة الدخل لدافعي الضرائب من أصحاب الدخول المنخفضة. وعلاوة على ذلك، تم منح موظفي الدولة علاوة استثنائية بواقع 7 -10% للتخفيف جزئيًا من تآكل الدخول بسبب ارتفاع معدلات التضخم.
وسمحت الوفورات في الموازنة العامة للدولة بالتوسع على نطاق أصغر في تقديم دعم للخدمات الاجتماعية مثل برامج وجبات المدارس، والتأمين الصحي للشرائح المستضعفة والمحرومة (الفئات الأولى بالرعاية)، وبرامج التدريب لتعزيز المهارات.