اللجنة صور ذهنية تتقارب وقد تختلف وقد تتجاذب في ذهن كلا منا
تلك الصور تستمد خيوطها من مداد العلم وشريان القراءة ووريد التخيل والتصور
الذي يرسم صورة قد يراها مشرقة في سماء العقل
تحدث القرآن عن صور لا تُعد ولا تُحصى عن الجنة
والأحاديث النبوية ترفل بكم وفير وغزير في هذا المنحى وإثراء هذا المعنى
الجنة شغلت أصحاب وأتباع الديانات والحكم والفلسفات .
وكان لها نصيباً في قوافي الشعراء وفيافي الفصحاء والأدباء .
الجنة التي لم تراها عين ولم تسمع عنها مسامع البشر ولا خطرت على كل سابح في الخيال في بحر وبر وجو وليل وسحر .
حاولت أن أرصد ومضة فكرية رأيتها في حال الإستشراق
إستشراق الروح قبل البصر والإدراك
فكانت تلك المنظومة والدرة العجيبة
الجنة هي الوعاء أو الحيز اللازمكاني أي لا زمان ولا مكان لها في عالم البشر , برزخ أثيري لا يُرى بالعين المجردة في زمن سرمدي والسرمدي معناه لا بداية ولا نهاية له , وبالتالي لا يبلى ولا يفنى , محفور فيه حقائق القيم العُليا التي هي أساس السعادة المطلقة , تلك القيم هي قيم (( الجمال والكمال والجلال )) التي تسبح لله رب العالمين .
قيمة الجمال في إدراك روعة الخالق بأعلى درجات الحس والإدراك والتامل والبصيرة , قيمة الجمال التي تخاطب فيك ملكات العقل والفكر والروح , قيمة الجمال التي تجعلك أن تسمع وتبصر وتعي وتخاطب كل المخلوقات في معزوفة التوحيد العليا لله رب العالمين , قيمة الجمال بعد التمتمع بطعام اهل الجنة الذي يرفل لأك بمعنى اخر لم ولن تدركه في الدنيا .
قيمة الجمال أن تدرك الخطاب والكتاب بين المحبوب والأحباب , قيمة الجمال حينما تتحرر من تلك السجود الوهمية التي شيدناها حول أنفسنا ….سجن الجاه والمال والسلطة والفخر والقدرة ….وتحطيم الأصنام والأوثان التي شكلناها في نفوسنا , نقدم لها القرابين ونؤدي لها الطاعات ….طواغيت في نفوسنا تحجبنا عن فلك النور وإشراقة النفس في نور الجمال .
أما قيمة الكمال التي تخاطب السيد فيك وهو العقل ….عقلك أنت الذي يحلل ويعلل ويوزن ويقترب ويبتعد ويتعلم ويفكر ويتأمل ويتوقع ويحسب المكسب ويدرك قيمة الخسارة …قيمة الكمال العليا بين السبب والمسبب والاسباب , كلما أدركت قيم من قيم الجمال اقتربت من الله دون سواه , الجمال في المظهر والكمال في الجوهر , وبين الجمال والكمال لغة وروعة وجدارية فيها القيل والقال من العظمة والدلال , تلك الجدارية والحوارية تجعلنا أن ندخل برهبة بمعطف الجمال والكمال مسجد الجلال لله رب العالمين ……الجلال حالة من الجب والعشق والخشوع لله رب العالمين , الجلال لله دون سواه .
تكررت كلمة جنات في القرآن الكريم على مستوى الكلمة 699 مرة أولها كانت في سورة البقرة
(( وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ )) البقرة الأية 25
وأخر أية ذُكرت فيها الجنة هي (( جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ )) البينة الأية 8
تحدث القرآن الكريم عن الجنة بصيغة المفرد وصيغة الجمع وأيضاً بصيغة المثنى كما قال
(( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ )) جنة الخوف من الله في الدنيا ….الخوف من مقام الله ١…الخوف من صاحب القيم العليا من الجمال والكمال والجلال , تلك القيم التي تحدد للإنسان النسبة الذهبية لوجوده في الحياة كما قال الحق تبارك وتعالى (( وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ )) سورة الذاريات 56والجنة الثانية هي جنة الثواب والجزاء في الأخرة .
الجنة لن يدخل قاتل أو إرهابي أو من يفجر نفسه بغية الحور العين , الجنة لن يدخلها معتدي , الجنة دار السلام لن يدخلها إلا أصحاب السلام ….سلام مع الله وسلام مع النفس وسلام مع الحياة …..!!
هكذا رأيت الجنة
(( الجنة هي الوعاء الأثيري السرمدي الذي لا يفنى ولا يبلى , ويضم حقائق القيم العليا المطلقة من الجمال والكمال والجلال والحمد والتسبيح والتقديس في ضيافة الرحمن خالق كل العوالم والأكوان ))
محمد حسن كامل