حينما نتلو متدبرين القرآن الكريم نجد من الآيات ما يستوقفك ويثير فى نفسك وعقلك ووجدانك العديد من التساؤلات بل الكثير من الانبهاروالاعجاب بهذا النظم القرآنى المعجز المبهر ، الذى جعله الله تعالى عين معجزته – صلى الله عليه وسلم –
وهنا اسمح لى أيها القارىء الحبيب أن نتوقف معا فى رحاب قوله – تعالى – :
( وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ) ( البقرة: 30 )
هنا وجدتنى اتساءل حول غرض الاستفهام فى قول الملائكة .
وحاشانا أن نظن أن الغرض من استفهامهم ” الاعتراض ” لأن الملائكة مطبعون على الطاعة مجبلون عليها ” فهذه طبيعتهم وفطرتهم ” التى خلقوا عليها
وبدأت رحلة البحث عبر كتب التفاسير فوجدت لهذا الاستفهام تأويلات عده – والله تعالى أعلم بمراده –
* الوجه الأول :
أن الملائكة قالت ذلك بعد إعلام الله تعالى لهم بطبيعة ذرية آدم عليه السلام، وأنهم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، وهذا مروي عن ابن عباس وابن مسعود ، فعن ابن عباس وابن مسعود:
” أن الله تعالى قال للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا ربنا وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضاً.”
وقال قتادة:
” كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فلذلك قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها”
* الوجه الثاني :
أنهم لما سمعوا لفظ : خليفة، فهموا أن في بني آدم من يفسد إذ الخليفة المقصود منه الإصلاح وترك الفساد، والفصل بين الناس فيما يقع بينهم من المظالم ويردعهم عن المحارم والمآثم.
* الوجه الثالث :
ما نقله القرطبي رحمه الله وغيره أن الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء، وذلك لأن الأرض كان فيها الجن قبل خلق آدم فأفسدوا وسفكوا الدماء.
فهذه أشهر الأوجه التي ذكر المفسرون في هذه الآية الكريمة. وعليه
* فقول الملائكة واستفهامهم هذا ليس على وجه ” الاعتراض على الله ” معاذ الله
وإنما هو كما قال ابن كثير رحمه الله:
” سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك فكأنهم يقولون:
” ياربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك، أي: نصلي لك، ولا يصدر منا شيء من ذلك، وهلا وقع الاقتصار علينا ؟ قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال:
( إني أعلم ما لا تعلمون ) أي أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم، فإني سأجعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل، ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء العاملون والخاشعون له والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم.
والله تعالى أعلى وأعلم وعليه قصد السبيل