إعداد/ محمد مأمون ليله
كتب الشيخ الفاضل أحمد محمد علي وفقه الله:
(توحيد المشيئة)
يذكر الشيخ الأكبر قدس الله سره في قول الحق – تعالى – : ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 6] وهو توحيد الرابع، وهو توحيد المشيئة، ووصف الهوية بالعزة، وهو قوله: ﴿ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [الإخلاص: 3] فهو عزيز الحمى، إذ كان هو الذي صورنا في الأرحام من غير مباشرة، إذ لو باشر لضمه الرحم كما يضم القابل للصورة، ولو لم يكن هو المصور لما صدقت هذه النسبة، وهو الصادق، فإنه ما أضاف التصوير إلى غيره، فقال: ﴿كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 6] أي كيف أراد، فظهر في هذه الكيفية أن مشيئته تقبل الكيفية، مع نعته بالعزة ثم بالحكمة، والحكيم هو المرتب للأشياء التي أنزلت منازلها، فالتصوير يستدعيه إذ كان هو المصور لا الملك مع العزة التي تليق بجلاله، فحير العقول السليمة التي تعرف جلاله.
ويرى الشيخ الأكبر قدس الله سره أن أهل التأويل وغيرهم ما أصابوا في خوضهم في التأويل وإن وافقوا العلم، فقد ارتكبوا محرما عليهم يسألون عنه يوم القيامة، فكل من تكلم في ذاته – تعالى -، ونزهه عما نسبه إلى نفسه، ورجح عقله على إيمانه، وحكم نظره في علم ربه؛ ولم يكن ينبغي لهم ذلك . فالموحد بنور الايمان الزائد على نور العقل، وهو الذي يعطي السعادة، وهو نور لا يحصل عن دليل أصلا، وإنما يكون عن عناية إلهية بمن وجد عنده، ومتعلقة صدق المخبر فيما أخبر به عن نفسه خاصة ليس متعلق الايمان أكثر من هذا فإن كشف متعلق الخبر فبنور آخر ليس نور الايمان لكن لا يفارقه نور الايمان، وذلك النور هو الذي يكشف له عن أحدية نفسه، وأحدية كل موجود التي بها يتميز عن غيره، سواء كانت ثم صفة يقع فيها الاشتراك أو لا يكون لا بد من أحدية تخصه يقع بها الامتياز له عن غيره، فلما كشف للعبد هذا النور أحدية الموجودات علم قطعا بهذا النور ان الله -تعالى – له أحدية تخصه، فأما أن تكون عينه فيكون أحدي الذات أحدي المرتبة وهي عينها، وأما أن يكون أحدية المرتبة فيوافق الكشف الدليل النظري ويعلم قطعا أن الذات على أحدية تخصها هي عينها.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.